نام کتاب : بحر الدموع نویسنده : ابن الجوزي جلد : 1 صفحه : 21
ويروى عن ذي النون المصري [1] رحمه الله تعالى أنه قال: خرجت أريد الحجاز ولم أصحب أحدا من الناس، فبينما أنا سائر، إذ وقعت في أرض صحراء، وقد نفذ زادي، فأشرفت على الهلاك، إذ لاحت لي شجرة في وسط الصحراء دانية الفروع، متدلية الأغصان، كثيرة الأوراق، فقلت في نفسي: أسير نحو هذه الشجرة، فأكون في ظلها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
فلما وصلت إلى الشجرة، ودنوت منها، وأردت الدخول في ظلها، فأخذ غصن من أغصانها بركوتي، فانهرق الماء الذي كان بقي لي فيها أحيي به رمقي، فأيقنت بالهلاك، وطرحت نفسي في ظل الشجرة، وبقيت أنتظر ملك الموت ليقبض روحي، فإذا أنا بصوت حزين وهو يقول: إلهي وسيدي ومولاي، إن كان هذا رضاك مني، فزد حتى ترضى عني يا أرحم الراحمين.
فقمت وجعلت أمشي نحو الصوت، فإذا أنا بشخص حسن الصورة، وهو ملقى على الرمل، والنسور قد أحدقت به تنهش من لحمه، فسلمت عليه فردّ السلام، وقال لي: يا ذا النون، لما نفذ الزاد، وانهرق الماء، أيقنت بالموت والفناء، فجلست عند رأسه، وجعلت أبكي رحمة لبكائه، وشفقة لما رأيت منه.
فبينما أنا كذلك، إذ أنا بقصعة من الطعام وضعت بين يدي، فوكز الأرض بعرقوبه، فإذا بعين من الماء قد تفجرت، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فقال لي: يا ذا النون، كل واشرب، لا بد لك من الوصول إلى بيت الله الحرام، ولكن يا ذا النون لي إليك حاجة، فان قضيتها فلك الأجر والثواب، فقلت: وما هي؟ قال: إذا أنا مت، فاغسلني وادفني، واسترني من الوحش والطير، وسر فإذا قضيت الحج، فانك تصل إلى مدينة بغداد، وتدخل من باب الزعفران، فانك تجد هنالك الصبيان يلعبون، وعليهم ألوان الثياب، فتجد هنالك شابا، صغير [1] هو أبو الفبض ذو النون ثوبان بن إبراهيم. أوحد زمانه ورعا وأدبا، توفي سنة 245 هـ.
نام کتاب : بحر الدموع نویسنده : ابن الجوزي جلد : 1 صفحه : 21