نام کتاب : اللطائف نویسنده : ابن الجوزي جلد : 1 صفحه : 16
الجنة ترضي منك بالزهد، والنار تندفع عنك بترك الدنيا، والمحبة لا تقنع إلا بالروح، إن سلطان المحبة لا يقبل الرشا. أيها الطالب لي: اخرج إليّ عنك، قلبك ضعيف لا يفي بي وبك، إما أنت وإما أنا، افقد نفسك تجدني. لما نسي " الخليل " نفسه قويت صولته يوم " أما إليك فلا " ما سلك قط طريقا أطيب من تلك الفلاة التي دخلها عند انفصاله من المنجنيق. زيارة تسعى فيها أقدام الرضى على أرض الشوق شابهت ليلة " فزجني في النور " فقال: (ها أَنتَ وَرَبُك) .
زُرناكَ شَوقاً وَلَو أَنّ الفُلا بُسِطَت ... نَشرُ الفُلا بَينَنا جَمراً لَزُرناكَ
لاحت أوصاف الصانع في جمال الكمال، فأُشربت قلوبهم حبه، فصاح غلاء الثمن.
بدم المحب يباع وصلهم.
فأجاب عزم المحبة: وما غَلَت نَظرَةٌ مِنكُم بِسَفكِ دَمِ قلبهم الحب في قفر على أكف البلاء، فقطع أوداج الأغراض بسكين المسكنة، والمحبوب يقول (أَتَصبِرون) والأرواح تجيب: (لا ضَيرَ)
شَغَلتُ نَفسي وَقَلبي في مَودَتِكُم ... لا خَلَّص اللَهَ روحي مِن محَبَتِكُم
ها قَد غَضِبتُ عَلى نَفسي لأجلِكُم ... حَتى جَفوتُ حَياتي بَعدُ جَفوَتِكُم
إِذا تَلَهَّبَ جَمرُ الشَوقِ في كَبَدي ... أَطفاهُ ماءُ التَلاقي عِندَ رُؤيَتِكُم
غاب القوم عن وجودهم شغلا بموجدهم طرق طارق باب " أبي يزيد " وقال: ههنا أبو يزيد؟ فصاح أبو يزيد: أبو يزيد يطلب أبا يزيد فما يراه!!! ؟ لا يعرف رموز الأحباب إلا مجانس، سل ليلى عن حال المجنون؟ بلغت بهم المحبة إلى استحلاء الآلام لعلمهم أنها مراد الحبيب.
وكل ما يفعل المحبوب محبوب لما طعن " حرام بن ملحانط قال: فزت ورب الكعبة.
ضني:سويد بن شعبة " على فراشه فكان يقول: والله ما أحب أن الله نقصني منه قلامة ظفر.
تَعجَبوا مِن تَمنّي القَلبِ مؤلَمَهُ ... وَما دَروا أَنّهُ أَحلى مِنَ العَسَلِ
المحبوب محبو وإن عذب. استقرت جبال المحبة في أرض القلوب، فلم تزعزعها عواصف البلاء.
أمر " الحجاج " بصلب " ماهان " العابد فوق خشبة، فصلب وهو يسبح ويعقد بيده حتى بلغ تسعا وعشرين، فبقي شهرا ويده على ذلك العقد.
لُتحشرنَّ عِظامي بَعدَما بَكيتُ ... يَومَ الحِسابِ وَفيها حُبُّكُم عَلَقُ
إذا وقعت المعرفة في القلب سهل البلاء، فإن مازجتها المحبة فلا أثر للبلاء، لأن المحب يستلذ إذن كل أذى.
عَذابُهُ فيكَ عَذبُ ... وَبَعدَه فيكَ قُربُ
وَأَنتَ عِندَهُ كَنَفسي ... بَل أَنتَ عِندي أَحبُّ
مروا على مجذوم قد قطعه الجذام فقالوا: لو تداويت، فقال: لو قطعتني قطعا، ما ازددت له إلا حبا.
وَاعجَباً ما للِعُذولِ وَمالَهُم ... قَد رَضيَ المَقتولُ كُلَّ الرِضا
الفصل السادس والعشرون
طلب العلم
العلم والعمل توأمان، أمّهما علو الهمة. أيها الشاب: جوهر نفسك بدراسة العلم، وحلها بحلة العمل، فإن قبلت نصحي لم تصلح.
إلا لصدر سرير أو لذروة منبر من لم يعمل بعلمه، لم يدر ما معه، حامل المسك إذا كان مزكوما فلا حظ له فيما حمل. بحر قلب العالم يقذف إلى ساحل اللفظ جواهر النطق، فتلتقطها أكف الفهم.
تالله إن العالم لخاتم خنصر الدهر. العلماء غرباء في الدنيا لكثرة الجهال بينهم. تصنيف العالم: ولده المخلد. للعالم علم.
أيها المعلم: ثبت على المبتدي (وَقَدِر في السَرد) فالعالم رسوخ، والمتعلم قلق. ويا أيها الطالب: تواضع في الطلب، فإن التراب لما ذل لأخمص القدم، صار طهورا للوجه، ولا يتأس مع مداومة الخير أن يقوى ضعفك، فالرمل مع الزمان يستحجر. صابر ليل البلاء، فبعين الصبر ترى فجر الأجر، ما يدرك منصب بلا نصب، ألا ترى إلى الشوك في جوار الورد.
أيها المبتدي: تلطف بنفسك، فمداراة الجاهل صعبة، تنقل من درج الرخص إلى سطوح العزائم ولا تيأس من المراد، فأول الغيث قطر ثم ينسكب.
ندم على حضور المجلس، فالطفل يحتاج كل ساعة إلى الرضاع، فإذا صار رجلا صبر على الفطام، على أن الماء إذا كثر صدمه للحجر أثر. يا عطاش الهوى في تيه القوى: انحرفوا إلى جادة العلم، فكم في فيافي التعلم من عين تعين على قطع البادية.
نام کتاب : اللطائف نویسنده : ابن الجوزي جلد : 1 صفحه : 16