responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 2  صفحه : 288
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي الطَّاعُونِ: «الْفَارُّ مِنْهُ كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ وَمَنْ صَبَرَ فِيهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ؛ لِأَنَّ تَشْبِيهَهُ فِيهَا بِالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً وَإِنْ كَانَ التَّشْبِيهُ لَا يَقْتَضِي تَسَاوِيَ الْمُتَشَابِهَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ هُنَا يَشْهَدُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي هَذَا الشَّيْءِ الْخَاصِّ وَهُوَ كَوْنُهُ كَبِيرَةً. إذْ الْقَصْدُ بِهَذَا التَّشْبِيهِ إنَّمَا هُوَ زَجْرُ الْفَارِّ وَالتَّغْلِيظُ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْزَجِرَ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا إنْ كَانَ كَبِيرَةً كَالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ، عَلَى أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِذَلِكَ فَنَحْنُ عَالِمُونَ بِأَنَّ الْمُتَشَابِهَيْنِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ كُلًّا، وَإِنْ كَانَ كَبِيرَةً إلَّا أَنَّ إثْمَ الْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ أَغْلَظُ وَأَعْظَمُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الْعَامَّةِ الشَّدِيدَةِ الْقُبْحِ وَهِيَ كَسْرُ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِيلَاءُ الْكُفَّارِ وَغَلَبَتُهُمْ وَهَذِهِ أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ وَأَقْبَحُهَا.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ حِينَ ذَكَرُوا الْوَبَاءَ: إنَّهُ رِجْزٌ وَعَذَابٌ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الْأُمَمِ ثُمَّ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِي الْأُخْرَى فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا يَقْدُمْ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ بِأَرْضٍ وَقَعَ بِهَا فَلَا يَخْرُجْ مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ» . وَقَدْ عَمِلَ عُمَرُ وَالصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بِمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ لَمَّا رَجَعُوا مِنْ سَرْغَ حِينَ أَخْبَرَهُمْ بِهِ ابْنُ عَوْفٍ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ تَوَقِّي الْمَكَارِهِ قَبْلَ نُزُولِهَا، وَتَجَنُّبُ الْأَشْيَاءِ الْمَخُوفَةِ قَبْلَ هُجُومِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ مُشِقٍّ مِنْ غَوَائِلِ الْأُمُورِ سَبِيلُهُ سَبِيلُ الطَّاعُونِ فِي ذَلِكَ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا» .
وَلَمَّا أَرَادَ عُمَرُ الرُّجُوعَ لِمَا ذُكِرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ. نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إلَى قَدَرِ اللَّهِ؛ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَحِيصَ لِلْإِنْسَانِ عَمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَمَرَنَا اللَّهُ بِالتَّحَرُّزِ مِنْ الْمَخَاوِفِ وَالْمُهْلِكَاتِ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي التَّوَقِّي مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ، ثُمَّ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ لَك إبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَتْ إنْ رَعَتْ الْخَصْبَةَ رَعَتْهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَتْ الْجَدْبَةَ رَعَتْهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟ فَرَجَعَ عُمَرُ مِنْ مَوْضِعِهِ ذَلِكَ إلَى الْمَدِينَةِ.

نام کتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 2  صفحه : 288
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست