responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 2  صفحه : 163
وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» . وَقَوْلُهُ: «إنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ» . الثَّرْثَرَةُ: كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَتَرْدِيدُهُ، يُقَالُ ثَرْثَرَ الرَّجُلُ فَهُوَ ثَرْثَارٌ مِهْذَارٌ، وَالْمُتَفَيْهِقُونَ نَحْوُهُ، وَيُقَالُ فُلَانٌ يَتَفَيْهَقُ فِي كَلَامِهِ إذَا تَوَسَّعَ وَتَنَطَّعَ، نَعَمْ. نُقِلَ هَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ ذَمٌّ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ رَاوِي الْحَدِيثِ وَصَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ فَقَالَ: أَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» ، فَالرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ أَلْحَنُ بِالْحُجَجِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَسْحَرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ وَهُوَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَحْمَدُ الْعُلَمَاءُ الْبَلَاغَةَ وَاللِّسَانَ مَا لَمْ تَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْإِطْنَابِ وَالْإِسْهَابِ وَتَصْوِيرِ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ؛ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ مَدْحٌ لِلْفَصَاحَةِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْحَقِّ وَالرَّافِعَةِ لِأَشْكَالِهِ فَإِنَّمَا سُمِّيَ مَا يُوضِحُ الْحَقَّ سِحْرًا وَهُوَ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ إظْهَارُ الْخَفَاءِ لَا إخْفَاءُ الظَّاهِرِ عَكْسُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ السِّحْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِلُطْفِهِ وَحُسْنِهِ اسْتَمَالَ الْقُلُوبَ فَأَشْبَهَ السِّحْرَ الَّذِي يَسْتَمِيلُ الْقُلُوبَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَأَيْضًا فَالْقَادِرُ عَلَى الْبَيَانِ يَكُونُ غَالِبًا قَادِرًا عَلَى تَحْسِينِ الْقَبِيحِ وَتَقْبِيحِ الْحَسَنِ فَأَشْبَهَ السِّحْرَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ السِّحْرَ لَهُ حَقِيقَةٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ تَخْيِيلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْأَصَحُّ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ لَهُ حَقِيقَةٌ لِأَنَّ «اللَّعِينَ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيَّ السَّاحِرَ سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِ سِحْرِهِ مِنْ بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ بِدَلَالَةِ الْوَحْيِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَأُخْرِجَ مِنْهَا، فَكَانَ ذَا عُقَدٍ فَحُلَّتْ عُقَدُهُ فَكَانَ كُلَّمَا حُلَّتْ مِنْهُ عُقْدَةٌ خَفَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ فَرَغَتْ فَصَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ» . وَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى خَيْبَرَ لِيَخْرُصَ ثَمَرَهَا فَسَحَرَهُ الْيَهُودُ فَانْكَتَفَتْ يَدُهُ فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ.
وَجَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا عَقَلَتْ بَعِيرَهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَلَمْ تَفْهَمْ مُرَادَهَا: لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: إنِّي عَقَلْت زَوْجِي عَنْ النِّسَاءِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَخْرِجُوا عَنِّي هَذِهِ السَّاحِرَةَ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ أَنَّا لَا نَمْنَعُ أَنَّ مِنْ السِّحْرِ مَا هُوَ تَخْيِيلٌ بَلْ مِنْهُ ذَلِكَ وَمَا لَهُ حَقِيقَةٌ. وَإِنَّمَا أَثَّرَ السِّحْرُ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] إمَّا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ عِصْمَةُ الْقَلْبِ، وَالْإِيمَانِ دُونَ عِصْمَةِ الْجَسَدِ عَمَّا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَوَادِثِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ سُحِرَ وَشُجَّ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ وَرُمِيَ

نام کتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 2  صفحه : 163
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست