responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 1  صفحه : 56
دُونَ مُوسَى مَعَ أَنَّهُ الرَّسُولُ الْحَقُّ الْعَارِفُ بِالْإِلَهِ وَمَا يَلِيقُ بِهِ وَالْهَادِي إلَى طَرِيقِهِ فِيهِ إشَارَةٌ مَا إلَى بَقَائِهِ عَلَى كُفْرِهِ بِهِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ الْقَاضِي عَبْدُ الصَّمَدِ الْحَنَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ مَذْهَبَ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الْإِيمَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَوْ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبٌ قَدِيمٌ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ كَانَ مَوْجُودًا أَوَائِلَ الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ فِي سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ رَأْسُ الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الثَّلَاثُمِائَةِ، وَإِذَا كَانَ مَذْهَبُ الصُّوفِيَّةِ ذَلِكَ، فَكَيْفَ سَاغَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كُفْرِ فِرْعَوْنَ؟ .
قُلْت: لَوْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ ذَلِكَ عَنْ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِمْ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ لَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَلَمْ يَخْتَلَّ بِهِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى كُفْرِ فِرْعَوْنَ، لِأَنَّا لَمْ نَحْكُمْ بِكُفْرِهِ لِأَجْلِ إيمَانِهِ عِنْدَ الْيَأْسِ فَحَسْبُ، بَلْ لِمَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاَللَّهِ إيمَانًا صَحِيحًا، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَهُوَ لَمْ يُؤْمِنْ بِمُوسَى أَصْلًا فَلَا يَرُدُّ مَا حُكِيَ عَنْ مَذْهَبِ الصُّوفِيَّةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْعَارِفُ الْمُحَقِّقُ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي فُتُوحَاتِهِ الْمَكِّيَّةِ بِصِحَّةِ الْإِيمَانِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ، وَأَنَّ فِرْعَوْنَ مُؤْمِنٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَا حَاصِلُهُ لَمَّا حَالَ الْغَرَقُ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَبَيْنَ أَطْمَاعِهِ لَجَأَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَى مَا أَعْطَاهُ بَاطِنُهُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الذِّلَّةِ وَالِافْتِقَارِ، فَقَالَ: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: 90] لِرَفْعِ الْإِشْكَالِ، كَمَا قَالَتْ السَّحَرَةُ لَمَّا آمَنَتْ: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ - رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف: 121 - 122] لِرَفْعِ الِارْتِيَابِ، وَإِزَاحَةِ الْإِشْكَالِ ثُمَّ قَالَ: {وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90] فَخَاطَبَهُ بِلِسَانِ الْعَتْبِ آلْآنَ أَظْهَرْتَ مَا كُنْتَ قَبْلُ عَلِمْتَهُ {وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] فِي اتِّبَاعِك {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ} [يونس: 92] فَبَشَّرَهُ قَبْلَ قَبْضِ رُوحِهِ {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس: 92] أَيْ لِتَكُونَ النَّجَاةُ عَلَامَةً لَهُ إذَا قَالَ مَا قُلْتَهُ كَانَتْ لَهُ النَّجَاةُ مِثْلَ مَا كَانَتْ لَك إذْ الْعَذَابُ مَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِظَاهِرِك، وَقَدْ أَرَيْتُ الْخَلْقَ نَجَاتَهُ مِنْ الْعَذَابِ فَكَانَ ابْتِدَاءُ الْغَرَقِ عَذَابًا وَصَارَ الْمَوْتُ فِيهِ شَهَادَةً خَالِصَةً، كُلُّ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَيْأَسَ أَحَدٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] وَالْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ.

نام کتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 1  صفحه : 56
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست