responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 1  صفحه : 177
قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا - مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 78 - 79] .
قَالَ إمَامُهُمْ فِي الضَّلَالَةِ الْجُبَّائِيُّ: قَدْ ثَبَتَ أَنَّ لَفْظَ السَّيِّئَةِ تَارَةً يَقَعُ عَلَى الْبَلِيَّةِ وَالْمِحْنَةِ، وَتَارَةً يَقَعُ عَلَى الذَّنْبِ وَالْمَعْصِيَةِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ السَّيِّئَةَ إلَى نَفْسِهِ أَوَّلًا، وَإِلَى الْعَبْدِ ثَانِيًا، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا فَنَقُولُ: لَمَّا كَانَتْ السَّيِّئَةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مُضَافَةً إلَيْهِ تَعَالَى؛ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي مُضَافَةً إلَى الْعَبْدِ لِيَزُولَ التَّنَاقُضُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ، وَقَدْ حَمَلَ الْمُخَالِفُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ الْآيَةِ وَقَرَءُوا: أَفَمِنْ نَفْسِك أَيْ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فَغَيَّرُوا الْقُرْآنَ وَسَلَكُوا مِثْلَ طَرِيقَةِ الرَّافِضَةِ فِي ادِّعَاءِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْقُرْآنِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَضَافَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْحَسَنَةَ - الَّتِي هِيَ الطَّاعَةُ - إلَى نَفْسِهِ دُونَ السَّيِّئَةِ وَكِلَاهُمَا فِعْلُ الْعَبْدِ عِنْدَكُمْ؟ .
قُلْنَا: الْحَسَنَةُ، وَإِنْ كَانَتْ فِعْلَ الْعَبْدِ فَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهَا بِتَسْهِيلِهِ وَأَلْطَافِهِ فَصَحَّتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ، وَأَمَّا السَّيِّئَةُ فَهِيَ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَيْهِ - تَعَالَى - بِأَنَّهُ فَعَلَهَا وَلَا أَرَادَهَا وَلَا أَمَرَ بِهَا وَلَا رَغَّبَ فِيهَا فَلَا جَرَمَ انْقَطَعَتْ هَذِهِ النِّسْبَةُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ. انْتَهَى كَلَامُ الْجُبَّائِيِّ الْمُنْبِئُ عَنْ قُصُورِ فَهْمِهِ وَفَسَادِ تَصَوُّرِهِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِ؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّيِّئَةِ وَالْحَسَنَةِ أَوَّلًا وَثَانِيًا طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً، بَلْ النِّعَمَ وَالْمِحَنَ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ فِعْلِهِمْ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ التَّعْبِيرُ بِأَصَابَكَ، إذْ لَا يُقَالُ فِي الطَّاعَةِ: الْمَعْصِيَةُ أَصَابَنِي، بَلْ أَصَبْتُهُ بِخِلَافِ النِّعَمِ وَالْمِحَنِ فَإِنَّهَا الَّتِي يُقَالُ: فِيهَا أَصَابَتْنِي، وَالسِّيَاقُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، إذْ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ الْمُنَافِقُونَ الْيَهُودُ: مَا زِلْنَا نَعْرِفُ النَّقْصَ فِي ثِمَارِنَا وَمَزَارِعِنَا مُنْذُ قَدِمَ الرَّجُلُ وَأَصْحَابُهُ، فَكَانُوا يَنْسِبُونَ النِّعَمَ إلَى اللَّهِ وَالْمِحَنَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ مُخْبِرًا عَنْهُمْ بِمَقَالَتِهِمْ الْفَاسِدَةِ ثُمَّ رَدَّهَا بِقَوْلِهِ: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: 78] مُبَيِّنًا لِمَصْدَرِهَا الْأَصْلِيِّ، ثُمَّ بَيَّنَ السَّبَبَ فَخَاطَبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} [النساء: 79] أَيْ نِعْمَةٍ كَخِصْبٍ وَنَصْرٍ {فَمِنَ اللَّهِ} [النساء: 79] أَيْ مِنْ مَحْضِ فَضْلِهِ إذْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ عَلَيْهِ - تَعَالَى - شَيْئًا {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} [النساء: 79] أَيْ مِحْنَةٍ

نام کتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 1  صفحه : 177
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست