responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 64
وَالْأَشْكَالِ، بَلْ اسْتَقْبَحَ الْكُتَّابُ ذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبَاتِ وَرَأَوْهُ مِنْ تَقْصِيرِ الْكَاتِبِ أَوْ سُوءِ ظَنِّهِ بِفَهْمِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ كَانَ اسْتِقْبَاحُهُمْ لَهُ فِي مُكَاتَبَةِ الرُّؤَسَاءِ أَكْثَرَ.
حَكَى قُدَامَةُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّ بَعْضَ كُتَّابِ الدَّوَاوِينِ حَاسَبَ عَامِلًا فَشَكَا الْعَامِلُ مِنْهُ إلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَكَتَبَ رُقْعَةً يَذْكُرُ فِيهَا احْتِجَاجًا لِصِحَّةِ دَعْوَاهُ، وَوُضُوحِ شَكْوَاهُ. فَوَقَعَ فِيهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ هَذَا، هَذَا، فَأَخَذَهَا الْعَامِلُ وَقَرَأَهَا فَظَنَّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ أَرَادَ بِهَذَا هَذَا إثْبَاتًا لِصِحَّةِ دَعْوَاهُ وَصِدْقِ قَوْلِهِ، كَمَا يُقَالُ فِي إثْبَاتِ الشَّيْءِ هُوَ هُوَ، فَحَمَلَ الرُّقْعَةَ إلَى كَاتِبِ الدِّيوَانِ، وَأَرَاهُ خَطَّ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَالَ لَهُ: إنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ قَدْ صَدَّقَ قَوْلِي، وَصَحَّحَ مَا ذَكَرْتُ.
فَخَفِيَ عَلَى الْكَاتِبِ ذَلِكَ، وَأُطِيفَ بِهِ عَلَى كُتَّابِ الدَّوَاوِينِ فَلَمْ يَقِفُوا عَلَى مُرَادِ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَرُدَّ إلَيْهِ لِيُسْأَلَ عَنْ مُرَادِهِ بِهِ فَشَدَّدَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْكَلِمَةَ الثَّانِيَةَ وَكَتَبَ تَحْتَهَا وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ اسْتِعْظَامًا مِنْهُ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي اسْتِخْرَاجِ مُرَادِهِ حَتَّى احْتَاجَ إلَى إبَانَتِهِ بِالشَّكْلِ. فَهَذِهِ حَالُ الْكُتَّابِ فِي اسْتِقْبَاحِهِمْ إعْجَامِ الْمُكَاتَبَاتِ بِالنُّقَطِ وَالْأَشْكَالِ.
فَأَمَّا غَيْرُ الْمُكَاتَبَاتِ مِنْ سَائِرِ الْعُلُومِ فَلَمْ يَرَوْهُ قَبِيحًا بَلْ اسْتَحْسَنُوهُ لَا سِيَّمَا فِي كُتُبِ الْأَدَبِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا مَعْرِفَةُ صِيغَةِ الْأَلْفَاظِ وَكَيْفِيَّةِ مَخَارِجِهَا مِثْلِ كُتُبِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالشِّعْرِ الْغَرِيبِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَى ضَبْطِهَا بِالشَّكْلِ وَالْإِعْجَامِ أَكْثَرُ، وَهِيَ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْعُلُومِ أَيْسَرُ.
وَقَدْ قَالَ النُّورِيُّ: الْخُطُوطُ الْمُعْجَمَةُ كَالْبُرُودِ الْمُعَلَّمَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: إعْجَامُ الْخَطِّ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْجَامِهِ، وَشَكْلُهُ يُؤَمِّنُ مِنْ إشْكَالِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: رُبَّ عِلْمٍ لَمْ تُعْجَمْ فُصُولُهُ فَاسْتُعْجِمَ مَحْصُولُهُ. وَكَمَا اسْتَقْبَحَ الْكُتَّابُ الشَّكْلَ وَالْإِعْجَامَ فِي الْمُكَاتَبَاتِ، وَإِنْ كَانَ فِي كُتُبِ الْعُلُومِ مُسْتَحْسَنًا، فَكَذَلِكَ اسْتَحْسَنُوا مَشْقَ الْخَطِّ فِي الْمُكَاتَبَاتِ وَإِنْ كَانَ فِي كُتُبِ الْعُلُومِ مُسْتَقْبَحًا.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لِفَرْطِ إدْلَالِهِمْ فِي الصَّنْعَةِ وَتَقَدُّمِهِمْ فِي الْكِتَابَةِ يَكْتَفُونَ بِالْإِشَارَةِ وَيَقْتَصِرُونَ عَلَى التَّلْوِيحِ، وَيَرَوْنَ الْحَاجَةَ إلَى اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ الْإِبَانَةِ تَقْصِيرًا وَلِفَصْلِ مَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ التَّقَدُّمِ بِهَذَا الْحَالِ رَأَوْا مَا نُبِّهَ عَلَيْهِ مِنْ سَوَادِ

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 64
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست