يجدوا منفذا للخلاص إلا في إلزام الأمة بالتقليد، ويا لها من أزمة يكون المخرج منها درك التقليد.
إن تزاحم الفقهاء وتجادلهم فيما بينهم، واستمرار مناقضاتهم ومعارضاتهم وممانعاتهم جعل المخرج الوحيد من الجدل هو الرجوع إلى أقوال المتقدمين في المسائل الخلافية، كما أن الناس فقدوا الثقة بكثير من القضاة لتقربهم من السلطان وإقبالهم على الدنيا وجورهم في كثير من القضايا، فأصبحوا لا يقون بقضاء القاضي إلا إذا كان قضاؤه موافقا لقول أحد الائمة الأربعة.
وهكذا اعتبر تقليد الأئمة الأربعة عند جماهير المسلمين، والتزام أقوالهم في كل ما قالوا به، والتخريج عليها فيما لم يقولوا به ضمانة واقية من الاجتهادات المنحرفة التي قد تصدر عن غير أهل الورع من حملة العلوم الشرعية خدمة للأغراض، وتحقيقا للرغبات، فقد ادعى إمام الحرمين (توفي478هـ) انعقاد إجماع المحققين على منع تقليد أعيان الصحابة، بل عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة الذي سبروا ونظروا وبوبوا الأبواب وذكروا أوضاع المسائل، وتعرضوا لمذاهب الألين، ثم أكد ذلك وخلص إلى ذلك الحكم الغريب بكون العامي مأمورا باتباع مذاهب السابرين [163] .
وعلى قول إمام الحرمين هذا، وعلى ادعائه إجماع المحققين، بنى ابن الصلاح (643هـ) دعواه بوجوب تقليد الأئمة الأربعة لانضباط [163] البرهان (2/1146، فقه 1173) والتقرير والتحبير (3/353) .