الصحابة والتابعين، فمعظم القضايا الفقهية، وكثير من المسائل الأصولية ليست إلا أمورا افتراضية ولدتها المناظرات والمجادلات والقضايا الخلافية.
2 تحول الفقه، بعد تلك الممارسات الخاطئة، من وسيلة لضبط حياة الناس ووقائعها بضوابط الشرعية الى وسيلة لتبرير الواقع المطلوب، أيا كان ذلك الواقع، فأورث ذلك الحياة التشريعية لدى المسلمين نوعا من القلق الغريب كثيرا ما جعل الأمر الواحد من الشخص الواحد في زمن واحد ومكان واحد حلالا عند هذا الفقيه حراما عند ذلك، ويكفي أنه قد أصبح لدينا أصل من الأصول الفقهية، وباب واسع من ابواب الفقه عرف بباب «المخارج والحيل» [159] وأصبح إتقان هذا الباب والمهارة فيه [159] يعتبر هذا أصلا من أصول الحنفية، وقد كتب الإمام محمد بن الحسن كتابه «المخارج والحيل» ثم توسع فيه الناس توسعا شديدا، ويراجع باب الحيل في إعلام الموقعين وكتاب «ألحيل في الشريعة الإسلامية» لمحمد بحيري (رسالة دكتوراه) .
كما أن كتب الفقه قلّما تخلو من الإشارة الى هذا الباب أو ذكر بعض صوره في أبواب الفقه كالمعاملات والنكاح والطلاق ونحوه. كما أن ابن القيم قد عقد بابا واسعا في كتابه: إعلام الموقعين عن رب العالمين، أخذ شطرا من الجزء الثالث وشطرا من الجزء الرابع كذلك، بين فيه ماهية الحيل وأنواعها وأحكام كل نوع منها، وضرب أمثلة كثيرة لذلك منها: حيلة قد يعمد إليها القاتل ليسقط عن نفسه القصاص، وذلك بأن يجرح ما يريد قتله جرحا ثم يدفع إليه دواء مسموما أو يسمم جرحه. قال أرباب الحيل في هذه الحالة يسقط القصاص لأنه لا يعد قاتلا، وهي من الحيل الباطلة المردودة، كذلك إذا أراد الرجل إخراج زوجته من الميراث في مرض موته فبدلا من أن يطلقها في مرض الموت فيورثها القاضي لعدم اعتبار الطلاق في مرض الموت، قال أرباب الحيل: يستطيع الزوج أن يقر على نفسه أنه كان طلقها ثلاثا، وهذه أيضا حيلة باطلة، كذلك يتحايل بعض الأغنياء على إسقاط الزكاة بأن يهب ماله، أو يبيعه قبل حلول الحول، أو يضع زكاته في كيس أو إناء ويهبه الفقير، فيكون كأنه دفع الزكاة ثم يسترده من الفقير بالشراء، وهذه كلها أمور محرمة، فالإنسان إنما يتعامل مع العليم الخبير الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور.