نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 494
انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها فإن الأعضاء آلات الروح تستعملها حتى أنها لتبطش باليد وتسمع بالأذن وتبصر بالعين وتعلم حقيقة الأشياء بالقلب والقلب ههنا عبارة عن الروح والروح تعلم الأشياء بنفسها من غير آلة ولذلك قد يتألم بنفسه بأنواع الحزن والغم والكمد ويتنعم بأنواع الفرح والسرور وكل ذلك لا يتعلق بالأعضاء فكل ما هو وصف للروح بنفسها فيبقى معها بعد مفارقة الجسد وما هو لها بواسطة الأعضاء فيتعطل بموت الجسد إلى أن تعاد الروح إلى الجسد ولا يبعد أن تعاد الروح إلى الجسد في القبر ولا يبعد أن تؤخر إلى يوم البعث والله أعلم بما حكم به على كل عبد من عباده وإنما تعطل الجسد بالموت يضاهي تعطل أعضاء الزمن بفساد مزاج يقع فيه وبشدة تقع في الأعصاب تمنع نفوذ الروح فيها فتكون الروح العالمة العاقلة المدركة باقية مستعملة لبعض الأعضاء وقد استعصى عليها بعضها والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها وكل الأعضاء آلات والروح هي المستعملة لها وأعنى بالروح المعنى الذي يدرك من الإنسان العلوم وآلام الغموم ولذات الأفراح ومهما بطل تصرفها في الأعضاء لم تبطل منها العلوم والإدراكات ولا بطل منها الأفراح والغموم ولا بطل منها قبولها للآلآم واللذات والإنسان بالحقيقة هو المعنى المدرك للعلوم وللآلام واللذات وذلك لا يموت أي لا ينعدم ومعنى الموت انقطاع تصرفه عن البدن وخروج البدن عن أن يكون آلة له كما أن معنى الزمانة خروج اليد عن أن تكون آلة مستعملة فالموت زمانة مطلقة في الأعضاء كلها وحقيقة الإنسان نفسه وروحه وهي باقية نعم تغير حاله من جهتين إحداهما أنه سلب منه عينه وأذنه ولسانه ويده ورجله وجميع أعضائه وسلب منه أهله وولده وأقاربه وسائر معارفه وسلب منه خيله ودوابه وغلمانه ودوره وعقاره وسائر أملاكه ولا فرق بين أن تسلب هذه الأشياء من الإنسان وبين أن يسلب الإنسان من هذه الأشياء فإن المؤلم هو الفراق والفراق يحصل تارة بأن ينهب مال الرجل وتارة بأن يسبى الرجل عن الملك والمال والألم واحد في الحالتين وإنما معنى الموت سلب الإنسان عن أمواله بإزعاجه إلى عالم آخر لا يناسب هذا العالم فإن كان له في الدنيا شيء يأنس به ويستريح إليه ويعتد بوجوده فيعظم تحسره عليه بعد الموت ويصعب شقاؤه في مفارقته بل يلتفت قلبه إلى واحد واحد من ماله وجاهه وعقاره حتى إلى قميص كان يلبسه مثلا ويفرح به وإن لم يكن يفرح إلا بذكر الله ولم يأنس إلا به عظم نعيمه وتمت سعادته إذا خلى بينه وبين محبوبه وقطعت عنه العوائق والشواغل إذ جميع أسباب الدنيا شاغلة عن ذكر الله فهذا أحد وجهى المخالفة بين حال الموت وحال الحياة
والثاني أنه ينكشف له بالموت ما لم يكن مكشوفاً له في الحياة كما قد ينكشف للمتيقظ ما لم يكن مكشوفاً له في النوم والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وأول ما ينكشف له ما يضره وينفعه من حسناته وسيئاته وقد كان ذلك مسطورا في كتاب مطوي في سر قلبه وكان يشغله عن الاطلاع عليه شواغل الدنيا فإذا انقطعت الشواغل انكشف له جميع أعماله فلا ينظر إلى سيئه إلا ويتحسر عليها تحسرا يؤثر أن يخوض غمرة النار للخلاص من تلك الحسرة وعبد ذلك يقال له {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} وينكشف كل ذلك عند انقطاع النفس وقبل الدفن وتشتعل فيه نيران الفراق أعنى فراق ما كان يطمئن إليمن هذه الدنيا الفانية دون ما أراد منها لأجل الزاد والبلغة فإن من طلب الزاد للبلغة فإذا بلغ المقصد فرح بمفارقته بقية الزاد إذ لم يكن يريد الزاد لعينه وهذا حال من لم يأخذ من الدنيا إلا بقدر الضرورة وكان يود أن تنقطع ضرورته ليستغنى عنه فقد حصل ما كان يوده
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 494