نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 391
المرائي هو الذي يقصد ذلك ورب واقف على هيئة الخشوع في صلاته ليس يقصد به مشاهدة غيره ولكن قلبه غافل عن الصلاة فمن ينظر إليه يراه قائمابين يدي الله تعالى وهو بالباطن قَائِمٌ فِي السُّوقِ بَيْنَ يَدَيْ شَهْوَةٍ مِنْ شهواته فهذه أعمال تعرب بلسان الحال عن الباطن إعراباهو فيه كاذب وهو مطالب بالصدق في الأعمال وكذلك قد يمشي الرجل على هيئة السكون والوقار وليس باطنه موصوفاً بذلك الوقار فهذا غير صادق في عمله وإن لم يكن ملتفتاً إلى الخلق ولا مرائياً إياهم ولا ينجو من هذا إلا باستواء السَّرِيرَةِ وَالْعَلَانِيَةِ بِأَنْ يَكُونَ بَاطِنُهُ مِثْلَ ظَاهِرِهِ أو خيراً من ظاهره
ومن خيفة ذلك اختار بعضهم تشويش الظاهر ولبس ثياب الأشرار كيلا يظن به الخير بسبب ظاهره فيكون كاذباً في دلالة الظاهر على الباطن
إذن مخالفة الظاهر للباطن إن كانت عن قصد سميت رياء ويفوت بها الإخلاص وإن كانت عن غير قصد فيفوت بها الصدق
وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اللهم اجعل سريرتي خيراً من علانيتي واجعل علانيتي صالحة [1] وقال يزيد بن الحارث إذا استوت سريرة العبد وعلانيته فذلك النصف وإن كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل وإن كانت علانيته أفضل من سريرته فذلك الجور وأنشدوا
إِذَا السِّرُّ وَالْإِعْلَانُ فِي الْمُؤْمِنِ اسْتَوَى ... فَقَدْ عَزَّ فِي الدَّارَيْنِ وَاسْتَوْجَبَ الثَّنَا
فَإِنْ خَالَفَ الْإِعْلَانُ سِرًّا فَمَا لَهُ ... عَلَى سَعْيِهِ فَضْلٌ سوى الكد والعنا
فما خالص الدينار في السوق نافق ... ومغشوشه المردود لا يقتضى المنا
وقال عطية بن عبد الغافر إذا وافقت سريرة المؤمن علانيته باهى الله به الملائكة يقول هذا عبدي حقاً
وقال معاوية بن قرة من يدلني على بكاء بالليل بسام بالنهار
وقال عبد الواحد بن زيد كان الحسن إذا أمر بشيء كان من أعمل الناس به وإذا نهي عن شيء كان من أترك الناس له
ولم أر أحداً قط أشبه سريرة بعلانية منه
وكان أبو عبد الرحمن الزاهد يقول إلهي عاملت الناس فيما بيني وبينهم بالأمانة وعاملتك فيما بيني وبينك بالخيانة ويبكي
وقال أبو يعقوب النهر جوري الصدق موافقة الحق في السر والعلانية
فإذن مساواة السريرة للعلانية أحد أنواع الصدق
الصدق السادس وهو أعلى الدرجات وأعزها الصدق في مقامات الدين كالصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل والحب وسائر هذه الأمور
فإن هذه الأمور لها مباد ينطلق الاسم بظهورها ثم لها غايات وحقائق والصادق المحقق من نال حقيقتها وإذا غلب الشيء وتمت حقيقته سمي صاحبه صادقاً فيه كما يقال فلان صدق القتال
ويقال هذا هو الخوف الصادق وهذه هي الشهوة الصادقة
وقال الله تَعَالَى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثم لم يرتابوا إلى قوله أولئك هم الصادقون وقال تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر إلى قوله أولئك الذين صدقوا وسئل أبو ذر عن الإيمان فقرأ هذه الآية فقيل له سألناك عن الإيمان فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقرأ هذه الآية // حديث أبى ذر سألته عن الإيمان فقرأ قوله تعالى {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر} إلى قوله {أولئك الذين صدقوا} رواه محمد بن نصر المروزى في تعظيم قدر الصلاة بأسانيد منقطعة لم أجد له اسنادا
ولنضرب للخوف مثلاً فما من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر إلا وهو خائف من الله خوفاً ينطلق عليه الاسم [1] حديث اللهم أجعل سريرتي خيرامن علانيتي الحديث تقدم ولم أجده
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 391