نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 336
أراد الله المكر به واستدراجه أخفى عنه ما ورد عليه من السلو فيقف مع الرجاء ويغتر بحسن النظر أو بغلبة الغفلة أو الهوى أو النسيان فكل ذلك من جنود الشيطان التي تغلب جنود الملائكة من العلم والعقل والذكر والبيان وكما أن من أوصاف الله تعالى ما يظهر فيقتضى هيجان الحب وهي أوصاف اللطف والرحمة والحكمة فمن أوصافه ما يلوح فيورث السلو كأوصاف الجبرية والعزة والاستغناء وذلك من مقدمات المكر والشقاء والحرمان
ثم خوف الاستبدال به بانتقال القلب من حبه إلى حب غيره وذلك هو المقت والسلو عنه مقدمة هذا المقام والإعراض والحجاب مقدمة السلو وضيق الصدر بالبر وانقباضه عن دوام الذكر وملاله لوظائف الأوراد أسباب هذه المعاني ومقدماتها
وظهور هذه الأسباب دليل على النقل عن مقام الحب إلى مقام المقت نعوذ بالله منه وملازمة الخوف لهذه الأمور وشدة الحذر منها بصفاء المراقبة دليل صدق الحب فإن من أحب شيئاً خاف لا محالة فقده فلا يخلو المحب عن خوف إذا كان المحبوب مما يمكن فواته
وقد قال بعض العارفين من عبد الله تعالى بمحبة من غير خوف هلك بالبسط والإدلال ومن عبده من طريق الخوف من غير محبة انقطع عنه بالبعد والاستيحاش ومن عبده من طريق المحبة والخوف أحبه الله تعالى فقربه ومكنه وعلمه فالمحب لا يخلو عن خوف والخائف لا يخلو عن محبة ولكن الذي غلبت عليه المحبة حتى اتسع فيها ولم يكن له من الخوف إلا يسير يقال هو في مقام المحبة ويعد من المحبين وكان شوب الخوف يسكن قليلاً من سكر الحب فلو غلب الحب واستولت المعرفة لم تثبت لذلك طاقة البشر فإنما الخوف يعدله ويخفف وقعه على القلب
فقد روي في بعض الأخبار أن بعض الصديقين سأله بعض الأبدال أن يسأل الله تعالى أن يرزقه ذرة من معرفته ففعل ذلك فهام في الجبال وحار عقله ووله قلبه وبقي شاخصاً سبعة أيام لا ينتفع بشيء ولا ينتفع به شيء فسأل له الصديق ربه تعالى فقال يارب أنقصه من الذرة بعضها فأوحى الله تعالى إليه إنما أعطيناه جزءاً من مائة ألف جزء من المعرفة وذلك أن مائة ألف عبد سألوني شيئاً من المحبة في الوقت الذي سألني هذا فأخرت إجابتهم إلى أن شفعت أنت لهذا فلما أجتبنك فيما سألت أعطيتهم كما أعطيته فقسمت ذرة من المعرفة بين مائة ألف عبد فهذا ما أصابه من ذلك فقال سبحانك يا أحكم الحاكمين أنقصه مما أعطيته فأذهب الله عنه جملة الجزء وبقي معه عشر معشاره وهو جزء من عشرة آلاف جزء من مائة ألف جزء من ذرة فاعتدل خوفه وحبه ورجاؤه وسكن وصار كسائر العارفين وقد قيل في وصف حال العارف
قريب الوجد ذو مرمى بعيد ... عن الأحرار منهم والعبيد
غريب الوصف ذو علم غريب ... كان فؤاده زبر الحديد
لقد عزت معانيه وجلت ... عن الأبصار إلا للشهيد
يرى الأعياد في الأوقات تجري ... له في كل يوم ألف عيد
وللأحباب أفراح بعيد ... ولا يجد السرور له بعيد
وقد كان الجنيد رحمه الله ينشد أبياتاً يشير بها إلى أسرار أحوال العارفين وإن كان ذلك لا يجوز إظهاره وهي هذه الأبيات
سرت بأناس في الغيوب قلوبهم ... فحلوا بقرب الماجد المتفضل
عراضا بقرب الله في ظل قدسه ... تجول به أرواحهم وتنقل
مواردهم فيها على العز والنهي ... ومصدرهم عنها لما هو أكمل
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 336