نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 334
عشرين سنة
وقال الجنيد علامة المحب دوام النشاط والدعوب بشهوة تفتر بدنه ولا تفتر قلبه وقال بعضهم العمل على المحبة لا يدخله الفتور
وقال بعض العلماء والله ما اشتفى محب لله من طاعته ولو حل بعظيم الوسائل
فكل هذا وأمثاله موجود في المشاهدات فإن العاشق لا يستثقل السعي في هوى معشوقه ويستلذ خدمته بقلبه وإن كان شاقاً على بدنه ومهما عجز بدنه كان أحب الأشياء إليه أن تعاوده القدرة وأن يفارقه العجز حتى يشغل به فهكذا يكون حب الله تعالى فإن كل حب صار غالباً قهر لا محالة ماهو دونه فمن كان محبوبه أحب إليه من الكسل ترك الكسل في خدمته وإن كان أحب إليه من المال ترك المال في حبه
وقيل لبعض المحبين وقد كان بذل نفسه وماله حتى لم يبق له شيء ما كان سبب حالك هذه في المحبة فقال سمعت يوماً محباً وقد خلا بمحبوبه وهو يقول أنا والله أحبك بقلبي كله وأنت معرض عني بوجهك كله فقال له المحبوب إن كنت تحبني فأيش تنفق علي قال يا سيدي أملكك ما أملك ثم أنفق عليك روحي حتى تهلك فقلت هذا خلق لخلق وعبد لعبد فكيف بعبيد لمعبود فكل هذا بسببه
ومنها أن يكون مشفقاً على جميع عباد الله رحيماً بهم شديداً على جميع أعداء الله وعلى كل من يقارف شيئاً مما يكرهه كما قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بينهم ولا تأخذه لومة لائم ولا يصرفه عن الغضب لله صارف وبه وصف الله أولياءه إذ قال الذين يكلفون بحبي كما يكلف الصبي بالشيء ويأوون إلى ذكري كما يأوي النسر إلى وكره ويغضبون لمحارمه كما يغضب النمر إذا حرد فإنه لا يبالي قل الناس أو كثروا فانظر إلى هذا المثال فإن الصبي إذا كلف بالشيء لم يفارقه أصلاً وإن أخذ منه لم يكن له شغل إلا البكاء والصياح حتى يرد إليه فإن نام أخذه معه في ثيابه فإذا انتبه عاد وتمسك به ومهما فارقه بكى ومهما وجده ضحك ومن نازعه فيه أبغضه ومن أعطاه أحبه وأما النمر فإنه لا يملك نفسه عند الغضب حتى يبلغ من شدة غضبه أنه يهلك نفسه فهذه علامات المحبة فمن تمت فيه هذه العلامات فقد تمت محبته وخلص حبه فصفا في الآخرة شرابه وعذب مشربه ومن امتزج بحبه حب غير الله تنعم في الآخرة بقدر حبه إذ يمزج شرابه بقدر من شراب المقربين كما قال تعالى في الأبرار إن الأبرار لفي نعيم {ثم قال} يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يشرب بها المقربون فإذا طاب شراب الأبرار لشوب الشراب الصرف الذي هو للمقربين
والشراب عبارة عن جملة نعيم الجنان كما أن الكتاب عبر به عن جميع الأعمال فقال إن كتاب الأبرار لفي عليين {ثم قال} يشهده المقربون فكان أمارة علو كتابهم أنه ارتفع إلى حيث يشهده المقربون وكما أن الأبرار يجدون المزيد في حالهم ومعرفتهم بقربهم من المقربين ومشاهدتهم لهم فكذلك يكون حالهم في الآخرة ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة كما بدأنا أول خلق نعيده وكما قال تعالى جزاء وفاقاً أي وافق الجزاء أعمالهم فقوبل الخالص بالصرف من الشراب وقوبل المشوب بالمشوب
وشوب كل شراب على قدر ما سبق من الشوب في حبه وأعماله فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يعمل مثقال ذرة شراً يره وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بها وكفى بنا حاسبين فمن كان حبه في الدنيا رجاءه لنعيم الجنة والحور العين والقصور مكن من الجنة ليتبوأ منها حيث يشاء فيلعب مع الولدان ويتمتع بالنسوان فهناك تنتهي لذته في الآخرة لأنه إنما يعطى كل إنسان في المحبة ما تشتهيه نفسه وتلذ عينه
ومن كان مقصده رب الدار ومالك الملك ولم يغلب عليه إلا حبه بالإخلاص والصدق أنزل في مقعد
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 334