نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 324
وتكون لذة ما يتجدد من لطائف النعيم شاغلة عن الإحساس بالشوق إلى ما لم يحصل وهذا بشرط أن يمكن حصول الكشف فيما لم يحصل فيه كشف في الدنيا أصلاً فإن كان ذلك غير مبذول فيكون النعيم واقفاً على حد لا يتضاعف ولكن يكون مستمراً على الدوام
وقوله سبحانه وتعالى {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا} محتمل لهذا المعنى وهو أن ينعم عليه بإتمام النور مهما تزود من الدنيا أصل النور ويحتمل أن يكون المراد به إتمام النور في غير ما استنار في الدنيا استنارة محتاجة إلى مزيد الاستكمال والإشراق فيكون هو المراد بتمامه وقوله تعالى {انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً} يدل على أن الأنوار لابد وأن يتزود أصلها في الدنيا ثم يزداد في الآخرة إشراقاً فأما أن يتجدد نور فلا والحكم في هذا برجم الظنون مخطر ولم ينكشف لنا فيه بعد ما يوثق به فنسأل الله تعالى أن يزيدنا علماً ورشداً ويرينا الحق حقاً
فهذا القدر من أنوار البصائر كاشف لحقائق الشوق ومعانيه
وأما شواهد الأخبار والآثار فأكثر من أن تحصى فمما اشتهر من دعاء رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كان يقول اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك [1] وقال أبو الدرداء لكعب أخبرني عن أخص آية يعني في التوراة فقال يقول الله تعالى طال شوق الأبرار إلى لقائي وإني إلى لقائهم لأشد شوقاً قال ومكتوت إلى جانبها من طلبني وجدني ومن طلب غيري لم يجدني فقال أبو الدرداء أشهد إني لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا
وفي أخبار داود عليه السلام إن الله تعالى قال يا داود أبلغ أهل أرضي أني حبيب لمن أحبني وجليس لمن جالسني ومؤنس لمن أنس بذكري وصاحب لمن صاحبني ومختار لمن اختارني ومطيع لمن أطاعني ما أحبني عبد أعلم ذلك يقيناً من قلبه إلا قبلته لنفسي وأحببته حباً لا يتقدمه أحد من خلقي من طلبني بالحق وجدني ومن طلب غيري لم يجدني فارفضوا يا أهل الأرض ما أنتم عليه من غرورها وهلموا إلى كرامتى ومصاحبتي ومجالستي وائنسوا بي أؤانسكم وأسارع إلى محبتكم فإني خلقت طينة أحبائي من طينة إبراهيم خليلي وموسى نجي ومحمد صفي وخلقت قلوب المشتاقين من نوري ونعمتها بجلالي
وروي عن بعض السلف أن الله تعالى أوحى إلى بعض الصديقين إن لي عباداً من عبادي يحبوني وأحبهم ويشتاقون إلي وأشتاق إليهم ويذكروني وأذكرهم وينظرون إلي وأنظر إليهم فإن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك قال يارب وما علامتهم قال يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي الشفيق غنمه ويحنون إلى غروب الشمس كما يحن الطائر إلى وكره عند الغروب فإذا جنهم الليل واختلط الظلام وفرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلى أقدامهم وافترشوا إلى وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إلي بإنعامي فبين صارخ وباك وبين متأوه وشاك وبين قائم وقاعد وبين راكع وساجد بعيني ما يتحملون من أجلي وبسمعي ما يشتكون من حبي أول ما أعطيهم ثلاث أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم
والثانية لو كانت السموات والأرض وما فيها في موازينهم لاستقللنها لهم
والثالثة أقبل بوجهي عليهم فترى من أقبلت عليه يعلم أحد ما أريد أن أعطيه
وفي أخبار داود عليه السلام أن الله تعالى أوحى إليه يا داود إلى كم تذكر الجنة ولا تسألنى الشوق إلى [1] حديث أنه كان يقول في دعائه اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت الحديث أخرجه أحمد والحاكم وتقدم في الدعوات
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 324