نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 311
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا ولعلها أرادت بحب الهوى حب الله لإحسانه إليها وإنعامه عليها بحظوظ العاجلة وبحبه لما هو أهل له الحب لجماله وجلاله الذي انكشف لها وهو أعلى الحبين وأقواهما ولذة مطالعة جمال الربوبية هي التي عبر عنها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قال حاكياً عن ربه تعالى أعددت لعبادي الصالحين مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعْتُ ولا خطر على قلب بشر [1] وقد تعجل بعض هذه اللذات في الدنيا لمن انتهى صفاء قلبه إلى الغاية ولذلك قال بعضهم إني أقول يا رب يا الله فأجد ذلك على قلبي أثقل من الجبال لأن النداء يكون من وراء حجاب وهل رأيت جليساً ينادي جليسه وقال إذا بلغ لارجل في هذا العلم الغاية رماه الخلق بالحجارة أي يخرج كلامه عن حد عقولهم فيرون ما يقوله جنوناً أو كفراً
فمقصد العارفين كلهم وصله ولقاؤه فقط فهي قرة العين التي لا تعلم نفس ما أخفى لهم منها وإذا حصلت انمحقت الهموم والشهوات كلها وصار القلب مستغرقاً بنعيمها فلو ألقي في النار لم يحس بها لاستغراقه ولو عرض عليه نعيم الجنة لم يلتفت إليه لكمال نعيمه وبلوغه الغاية التي ليس فوقها غاية وليت شعر من لم يفهم إلا حب المحسوسات كيف يؤمن بلذة النظر إلى وجه الله تعالى وماله صورة ولا شكل وأي معنى لو عد الله تعالى به عباده وذكره أنه أعظم النعم بل من عرف الله عرف أن اللذات المفرقة بالشهوات المختلفة كلها تنطوي تحت هذه اللذة كما قال بعضهم
كانت لقلبي أهواء مفرقة ... فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي
فصار يحسدني من كنت أحسده ... وصرت مولى الورى مذ صرت مولائي
تركت للناس دنياهم ودينهم ... شغلاً بذكرك يا ديني ودنيائي
ولذلك قال بعضهم
وهجره أعظم من ناره ... ووصله أطيب من جنته
وما أرادوا بهذا إلا إيثار لذة القلب في معرفة الله تعالى على لذة الأكل والشرب والنكاح فإن الجنة معدن تمتع الحواس فأما القلب فلذته في لقاء الله فقط
ومثال أطوار الخلق في لذتهم ما نذكره وهو أن الصبي في أول حركته وتمييزه يظهر فيه غريزة بها يستلذ اللعب واللهو حتى يكون ذلك عنده ألذ من سائر الأشياء ثم يظهر بعده لذة الزينة ولبس الثياب وركوب الدواب فيستحقر معها لذة اللعب ثم يظهر بعده لذة الوقاع وشهوة النساء فيترك بها جميع ما قبلها في الوصول إليها ثم تظهر لذة الرياسة والعلو والتكاثر وهي آخر لذات الدنيا وأعلاها وأقواها كما قال تعالى اعلمواأنما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وتكاثر الآية
ثم بعد هذا تظهر غريزة أخرى يدرك بها لذة معرفة الله تعالى ومعرفة أفعاله فيستحقر معها جميع ما قبلها فكل متأخر فهو أقوى وهذا هو الأخير إذ يظهر حب اللعب في سن التمييز وحب النساء والزينة في سن البلوغ وحب الرياسة بعد العشرين وحب العلوم بقرب الأربعين وهي الغاية العليا وكما أن الصبي يضحك على من يترك اللعب ويشتغل بملاعبة النساء وطلب الرياسة فكذلك الرؤساء يضحكون على من يترك الرياسة ويشتغل بمعرفة الله تعالى والعارفون يقولون إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون [1] حديث قال صلى الله عليه وسلم حاكياً عن ربه تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت الحديث أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 311