responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 4  صفحه : 274
فإن قلت الناس يكفلون اليتيم لأنهم يرونه عاجزاً بصباه وأما هذا فبالغ قادر على الكسب فلا يلتفتون إليه ويقولون هو مثلنا فليجتهد لنفسه فأقول إن كان هذا القادر بطالاً فقد صدقوا فعليه الكسب ولا معنى للتوكل في حقه فإن التوكل من مقامات الدين يستعان به على التفرغ لله تعالى فما للبطال والتوكل وإن كان مشتغلاً بالله ملازماً لمسجد أو بيت وهو مواظب على العلم والعبادة فالناس لا يلومونه في ترك الكسب ولا يكلفونه ذلك بل اشتغاله بالله تعالى يقرر حبه في قلوب الناس حتى يحملون إليه فوق كفايته وإنما عليه أن لا يغلق الباب ولا يهرب إلى جبل من بين الناس وما رؤي إلى الآن عالم أو عابد استغرق الأوقات بالله تعالى وهو في الأمصار فمات جوعاً ولا يرى قط بل لو أراد أن يطعم جماعة من الناس بقوله لقدر عليه فإن من كان لله تعالى كان الله عز وجل له ومن اشتغل بالله عز وجل ألقى الله حبه في قلوب الناس وسخر له القلوب كما سخر قلب الأم لولدها فقد دبر الله تعالى الملك والملكوت تدبيراً كافياً لأهل الملك والملكوت
فمن شاهد هذا التدبير وثق بالمدبر واشتغل به وآمن ونظر إلى مدبر الأسباب لا إلى الأسباب نعم ما دبره تدبيراً يصل إلى المشتغل به الحلو والطيور السمان والثياب الرقيقة والخيول النفيسة على الدوام لا محالة وقد يقع ذلك أيضاً في بعض الأحوال لكن دبره تدبيراً يصل إلى كل مشتغل بعبادة الله تعالى في كل أسبوع قرص شعير أو حشيش يتناوله لا محالة والغالب أنه يصل أكثر منه بل يصل ما يزيد على قدر الحاجة والكفاية فلا سبب لترك التوكل إلا رغبة النفس في التنعم على الدوام ولبس الثياب الناعمة وتناول الأغذية اللطيفة وليس ذلك من طريق الآخرة وذلك قد لا يحصل بغير اضطراب وهو في الغالب أيضاً ليس يحصل مع الاضطراب وإنما يحصل نادرا وفي النادر أيضا قد يحصل بغير اضطراب فأثر الاضطراب ضعف عند من انفتحت بصيرته فلذلك لا يطمئن إلى اضطرابه بل إلى مدبر الملك والملكوت تدبيراً لا يجاوز عبداً من عباده رزقه وإن سكن إلا نادراً ندوراً عظيماً يتصور مثله في حق المضطرب فإذا انكشفت هذه الأمور وكان معه قوة في القلب وشجاعة في النفس أثمر ما قاله الحسن البصري رحمه الله إذ قال وددت أن أهل البصرة في عيالي وأن حبة بدينار
وقال وهيب بن الورد لو كانت السماء نحاساً والأرض رصاصاً واهتممت برزقي لظننت أني مشرك
فإذا فهمت هذه الأمور فهمت أن التوكل مقام مفهوم في نفسه ويمكن الوصول إليه لمن قهر نفسه وعلمت أن من أنكر أصل التوكل وإمكانه أنكره عن جهل فإياك أن تجمع بين الإفلاسين الإفلاس عن وجود المقام ذوقاً والإفلاس عن الإيمان به علماً فإذن عليك بالقناعة بالنزر القليل والرضا بالقوت فإنه يأتيك لا محالة وإن فررت منه وعند ذلك على الله أن يبعث إليك رزقك على يدي من لا تحتسب فإن اشتغلت بالتقوى والتوكل شاهدت بالتجربة مصداق قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب الآية إلا أنه لم يتكفل له أن يرزقه لحم الطير ولذائذ الأطعمة فما ضمن إلا الرزق الذي تدوم به حياته وهذا المضمون مبذول لكل من اشتغل بالضامن واطمأن إلى ضمانه فإن الذي أحاط به تدبير الله من الأسباب الخفية للرزق أعظم مما ظهر للخلق بل مداخل الرزق لا تحصى ومجاريه لا يهتدى إليها وذلك لأن ظهوره على الأرض وسببه في السماء
قال الله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون وأسرار السماء لا يطلع عليها ولهذا دخل جماعة على الجنيد فقال ماذا تطلبون قالوا نطلب الرزق فقال إن علمتم في أي موضع هو فاطلبوه
قالوا نسأل الله
قال إن علمتم أنه ينساكم فذكروه فقالوا ندخل البيت ونتوكل وننظر ما يكون
فقال التوكل على التجربة شك قالوا فما الحيلة قال ترك الحيلة
وقال أحمد بن عيسى

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 4  صفحه : 274
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست