responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 4  صفحه : 265
وهو حال عزيز في نفسه ودوامه إن وجد أبعد منه وأعز
وقال أبو سعيد الخراز التوكل اضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب ولعله يشير إلى المقام الثاني فسكونه بلا اضطراب إشارة إلى سكون القلب إلى الوكيل وثقته به واضطراب بلا سكون إشارة إلى فزعه إليه وابتهاله وتضرعه بين يديه كاضطراب الطفل بيديه إلى أمه وسكون قلبه إلى تمام شفقتها
وقال أبو علي الدقاق التوكل ثلاث درجات التوكل ثم التسليم ثم التفويض فالمتوكل يسكن إلى وعده والمسلم يكتفي بعلمه وصاحب التفويض يرضى بحكمه وهذا إشارة إلى تفاوت درجات نظره بالإضافة إلى المنظور إليه فإن العلم هو الأصل والوعد يتبعه والحكم يتبع الوعد ولا يبعد أن يكون الغالب على قلب المتوكل ملاحظة شيء من ذلك وللشيوخ في التوكل أقاويل سوى ما ذكرناه فلا نطول بها فإن الكشف أنفع من الرواية والنقل فهذا ما يتعلق بحال التوكل والله الموفق برحمته ولطفه
بيان أعمال المتوكلين

اعلم أن العلم يورث الحال والحال يثمر الأعمال وقد يظن أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة وكاللحم على الوضم وهذا ظن الجهال فإن ذلك حرام في الشرع والشرع قد أثنى على المتوكلين فكيف ينال مقام من مقامات الدين بمحظورات الدين بل نكشف الغطاء عنه ونقول إنما يظهر تأثير التوكل في حركة العبد وسعيه بعلمه إلى مقاصده وسعي العبد باختياره إما أن يكون لأجل جلب نافع هو مفقود عنده كالكسب أو لحفظ نافع هو موجود عنده كالادخار أو لدفع ضار لم ينزل به كدفع الصائل والسارق والسباع أو لإزالة ضار قد نزل به كالتداوي من المرض فمقصود حركات العبد لا تعدو هذه الفنون الأربعة وهو جلب النافع أو حفظه أو دفع الضار أو قطعه فلنذكر شروط التوكل ودرجاته في كل واحد منها مقروناً بشواهد الشرع الفن الأول في جلب النافع فنقول فيه الأسباب التي بها يجلب النافع على ثلاث درجات مقطوع به ومظنون ظناً يوثق به وموهوم وهماً لا تثق النفس به ثقة تامة ولا تطمئن إليه الدرجة الأولى المقطوع به وذلك مثل الأسباب التي ارتبطت المسببات بها بتقدير الله ومشيئته ارتباطاً مطرداً لا يختلف كما أن الطعام إذا كان موضوعاً بين يديك وأنت جائع محتاج ولكنك لست تمد اليد إليه وتقول أنا متوكل وشرط التوكل ترك السعي ومد اليد إليه سعي وحركة وكذلك مضغه بالأسنان وابتلاعه بإطباق أعالي الحنك على أسافله فهذا جنون محض وليس من التوكل في شيء فإنك إن انتظرت أن يخلق الله تعالى فيك شبعا دون الخبز أو يخلق في الخبز حركة إليك أو يسخر ملكاً ليمضغه لك ويوصله إلى معدتك فقد جهلت سنة الله تعالى وكذلك لو لم تزرع الأرض وطمعت في أن يخلق الله تعالى نباتاً من غير بذر أو تلد زوجتك من غير وقاع كما ولدت مريم عليها السلام فكل ذلك جنون وأمثال هذا مما يكثر ولا يمكن إحصاؤه أليس التوكل في هذا المقام بالعمل بل بالحال والعلم أما العلم فهو أن تعلم أن الله تعالى خلق الطعام واليد والأسنان وقوة الحركة وأنه هو الذي يطعمك ويسقيك وأما الحال فهو أن يكون سكون قلبك واعتمادك على فعل الله تعالى لا على اليد والطعام وكيف تعتمد على صحة يدك وربما تجف في الحال وتفلج وكيف تعول على قدرتك وربما يطرأ عليك في الحال ما يزيل عقلك ويبطل قوة حركتك وكيف تعول على حضور الطعام وربما يسلط الله تعالى

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 4  صفحه : 265
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست