نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 243
وقال الفضيل رحمه الله جعل الله الشر كله في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا
فهذا ما أردنا أن نذكره من حقيقة الزهد وأحكامه وإذا كان الزهد لا يتم إلا بالتوكل فلنشرع في بيانه إن شاء الله تعالى
كتاب التوحيد والتوكل وهو الكتاب الخامس من ربع المنجيات من كتاب
إحياء علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مدبر الملك والملكوت المنفرد بالعزة والجبروت
الرافع السماء بغير عماد المقدر فيها أرزاق العباد الذي صرف أعين ذوي القلوب والألباب عن ملاحظة الوسائط والأسباب إلى مسبب الأسباب ورفع همهم عن الالتفات إلى ما عداه والاعتمام على مدبر سواه فلم يعبدوا إلا إياه علماً بأنه الواحد الفرد الصمد الإله وتحقيقاً بأن جميع أصناف الخلق عباد أمثالهم لا يبتغي عندهم الرزق وأنه ما من ذرة إلا إلى الله خلقها وما من دابة إلا على الله رزقها فلما تحققوا أنه لرزق عباده ضامن وبه كفيل توكلوا عليه فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
والصلاة على محمد قامع الأباطيل الهادي إلى سواء السبيل وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فإن التوكل منزل من منازل الدين ومقام من مقامات الموقنين بل هو من معالي درجات المقربين وهو في نفسه غامض من حيث العلم ثم هو شاق من حيث العمل ووجه غموضه من حيث الفهم أن ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك في التوحيد والتثاقل عنها بالكلية طعن في ألسنة وقدح في الشرع والاعتماد على الأسباب من غير أن ترى أسباباً تغيير في وجه العقل وانغماس في غمرة الجهل وتحقيق معنى التوكل على وجه يتوافق فيه مقتضى التوحيد والنقل والشرع في غاية الغموض والعسر ولا يقوى على كشف هذا الغطاء مع شدة الخفاء إلا سماسرة العلماء الذين اكتحلوا من فضل الله تعالى بأنوار الحقائق فأبصروا وتحققوا ثم نطقوا بالإعراب عما شاهدوه من حيث استنطقوا
ونحن الآن نبدأ بذكر فضيلة التوكل على سبيل التقدمة ثم نردفه بالتوحيد في الشطر الأول من الكتاب ونذكر حال التوكل وعمله في الشطر الثاني
بيان فضيلة التوكل أما من الآيات فقد قال تعالى وعلى الله فتوكلوا
إن كنتم مؤمنين وقال عز وجل وعلى الله فليتوكل المتوكلون وقال تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقال سبحانه وتعالى إن الله يحب المتوكلين وأعظم بمقام موسوم بمحبة الله تعالى صاحبه ومضمون كفاية الله تعالى ملابسه فمن الله تعالى حسبه وكافيه ومحبه ومراعيه فقد فاز الفوز العظيم فإن المحبوب لا يعذب ولا يبعد ولا يحجب وقال تعالى أليس الله بكاف عبده فطالب الكفاية من غيره والتارك للتوكل هو المكذب لهذه الآية
فإنه سؤال في معرض استنطاق بالحق كقوله تَعَالَى هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً وقال عز وجل ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم أي عزيز لا يذل من استجار به ولا يضيع من لاذ بجنا به والتجأ إلى
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 243