نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 211
لضرورة كما يباح شرب الخمر لمن غص بلقمة وهو لا يجد غيره
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَ عَنْ غِنًى فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ [1] وَمَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ يَتَقَعْقَعُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ لَحْمٌ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ كَانَتْ مَسْأَلَتُهُ خُدُوشًا وَكُدُوحًا فِي وَجْهِهِ [2] وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ صَرِيحَةٌ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّشْدِيدِ
وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً على الإسلام فاشترط عليهم السمع والطاعة ثم قال لهم كلمة خفية ولا تسألوا الناس شيئاً [3] وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ كَثِيرًا بالتعفف عن السؤال ويقول من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله ومن لم يسألنا فهو أحب إلينا وقال صلى الله عليه وسلم استغنوا عن الناس وما قل من السؤال فهو خير قالوا ومنك يا رسول الله قال ومني وَسَمِعَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَائِلًا يَسْأَلُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ لِوَاحِدٍ مَنْ قَوْمِهِ عَشِّ الرَّجُلَ فَعَشَّاهُ ثُمَّ سَمِعَهُ ثَانِيًا يَسْأَلُ فَقَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ عَشِّ الرَّجُلَ قَالَ قَدْ عَشَّيْتُهُ فَنَظَرَ عمر فَإِذَا تَحْتَ يَدِهِ مِخْلَاةٌ مَمْلُوءَةٌ خُبْزًا فَقَالَ لَسْتَ سَائِلًا وَلَكِنَّكَ تَاجِرٌ ثُمَّ أَخَذَ الْمِخْلَاةَ وَنَثَرَهَا بَيْنَ يَدَيْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ لَا تَعُدْ
وَلَوْلَا أن سُؤَالُهُ كَانَ حَرَامًا لَمَا ضَرَبَهُ وَلَا أَخَذَ مخلاته ولعل الفقيه الضعيف المنة الضيق الحوصلة يستبعد هذا من فعل عمر ويقول أما ضربه فهو تأديب وقد ورد الشرع بالتعزير وأما أخذه ماله فهو مصادرة والشرع لم يرد بالعقوبة بأخذ المال فكيف استجازه وهو استبعاد مصدره القصور في الفقه فأين يظهر فقه الفقهاء كلهم في حوصلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإطلاعه على أسرار دين الله ومصالح عباده أفترى أنه لم يعلم أن المصادرة بالمال غير جائزة أو علم ذلك ولكن أقدم عليه غضباً في معصية الله وحاشاه أو أراد الزجر بالمصلحة بغير طريق شرعها نبي الله وهيهات فإن ذلك أيضاً معصية بل الفقه الذي لَاحَ لَهُ فِيهِ أَنَّهُ رَآهُ مُسْتَغْنِيًا عَنِ السُّؤَالِ وَعَلِمَ أَنَّ مَنْ أَعْطَاهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَعْطَاهُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ وَقَدْ كَانَ كاذباً فلم يدخل في ملكه بأخذه مع التَّلْبِيسِ وَعَسُرَ تَمْيِيزُ ذَلِكَ وَرَدُّهُ إِلَى أَصْحَابِهِ إِذْ لَا يُعْرَفُ أَصْحَابُهُ بِأَعْيَانِهِمْ فَبَقِيَ مَالًا لَا مَالِكَ لَهُ فَوَجَبَ صَرْفُهُ إِلَى الْمَصَالِحِ وإبل الصدقة وعلفها من المصالح ويتنزل أخذ السائل مع إظهار الحاجة كاذباً كأخذ العلوي بقوله إني علوي وهو كاذب
فإنه لا يملك ما يأخذه كأخذ الصوفي الصالح الذي يعطي لصلاحه وهو في الباطن مقارف لمعصية لو عرفها المعطي لما أعطاه وقد ذكرنا في مواضع أن ما أخذوه على هذا الوجه لا يملكونه وهو حرام عليهم ويجب عليهم الرد إلى مالكه فاستدل بفعل عمر رضي الله عنه على صحة هذا المعنى الذي يغفل عنه كثير من الفقهاء وقد قررناه في مواضع ولا تستدل بغفلتك عن هذا الفقه على بطلان فعل عمر
فإذا عرفت أن السؤال يباح لضرورة فاعلم أن الشيء إما أن يكون مضطراً إليه أو محتاجاً إليه حاجة [1] حديث مَنْ سَأَلَ عَنْ غِنًى فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جمر جهنم الحديث رواه أبو داود وابن حبان من حديث سهل ابن الحنظلية مقتصرا على ما ذكر منه وتقدم في الزكاة ولمسلم من حديث أبي هريرة من يسأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا الحديث وللبزار والطبراني من حديث مسعود بن عمر ولا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه وفي إسناده لين وللشيخين من حديث ابن عمر ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم وإسناده جيد [2] حديث من سأل وله ما يغنيه كانت مسئلته خدوشا وكدوما في وجهه رواه أصحاب السنن من حديث ابن مسعود وتقدم في الزكاة [3] حديث بايع قوماً على الإسلام فاشترط عليهم السمع والطاعة ثم قال كلمة خفية ولا تسألوا الناس شيئا أخرجه مسلم من حديث عوف بن مالك الأشجعي
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 211