نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 164
فإن سالت دموعه أطفأ الله بأول قطرة منها بحاراً من النيران ولو أن رجلاً بكى في أمة ما عذبت تلك الأمة
وقال أبو سليمان البكاء من الخوف والرجاء والطرب من الشوق
وقال كعب الأحبار رضي الله عنه
والذي نفسي بيده لأن أبكي من خشية الله حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بجبل من ذهب
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار
وروي عن حنظلة قال كنا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوعظنا موعظة رقت لها القلوب وذرفت منها العيون وعرفنا أنفسنا فرجعت إلى أهلي فدنت مني المرأة وجرى بيننا من حديث الدنيا فنسيت ما كنا عليه عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذنا في الدنيا ثم تذكرت ما كنا فيه فقلت في نفسي
قد نافقت حيث تحول عني ما كنت فيه من الخوف والرقة فخرجت وجعلت أنادي
نافق حنظلة فاستقبلني أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال
كلا لم ينافق حنظلة فدخلت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أقول
نافق حنظلة فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلا لم ينافق حنظلة فقلت يا رسول الله كنا عندك فوعظتنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون وعرفنا أنفسنا فرجعت إلى أهلي فأخذنا في حديث الدنيا ونسيت ما كنا عندك عليه
فقال صلى الله عليه وسلم يا حنظلة لو أنكم كنتم أبداً على تلك الحالة لصافحتكم الملائكة في الطريق وعلى فراشكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة // حديث حنظلة كنا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوعظنا الحديث وفيه نافق حنظلة الحديث وفيه ولكن يا حنظلة ساعة وساعة أخرجه مسلم مختصرا
فإذن كل ما ورد في فضل الرجاء والبكاء وفضل التقوى والورع وفضل العلم ومذمة الأمن فهو دلالة على فضل الخوف لأن جملة ذلك متعلقة به إما تعلق السبب أو تعلق المسبب
بيان أن الأفضل هو غلبة الخوف أو غلبة الرجاء أو اعتدالهما
اعلم أن الأخبار في فضل الخوف والرجاء قد كثرت وربما ينظر الناظر إليها فيعتريه شك في أن الأفضل أيهما وقول القائل
الخوف أفضل أم الرجاء سؤال فاسد يضاهي قول القائل الخبز أفضل أم الماء وجوابه أن يقال الخبز أفضل للجائع والماء أفضل للعطشان فإن اجتمعا نظر إلى الأغلب فإن كان الجوع أغلب فالخبز أفضل وإن كان العطش أغلب فالماء أفضل وإن استويا فهما متساويان وهذا لأن كل ما يراد لمقصود ففضله يظهر بالإضافة إلى مقصوده لا إلى نفسه والخوف والرجاء دواءان يداوى بهما القلوب ففضلهما بحسب الداء الموجود فإن كان الغالب على القلب داء الأمن من مكر الله تعالى والاغترار به فالخوف أفضل وإن كان الأغلب هو اليأس والقنوط من رحمة الله فالرجاء أفضل وكذلك إن كان الغالب على العبد المعصية فالخوف أفضل ويجوز أن يقال مطلقاً الخوف أفضل على التأويل الذي يقال فيه الخبز أفضل من السكنجبين إذ يعالج بالخبز مرض الجوع وبالسكنجبين مرض الصفراء ومرض الجوع أغلب وأكثر فالحاجة إلى الخبز أكثر فهو أفضل فبهذا الاعتبار غلبة الخوف أفضل لأن المعاصي والاغترار على الخلق أغلب وإن نظر إلى مطلع الخوف والرجاء فالرجاء أفضل لأنه مستقى من بحر الرحمة ومستقى الخوف من بحر الغضب ومن لاحظ من صفات الله تعالى ما يقتضي اللطف والرحمة كانت المحبة عليه أغلب وليس وراء المحبة مقام
وأما الخوف فمستنده الالتفات إلى الصفات التي تقتضي العنف فلا تمازجه المحبة ممازجتها للرجاء
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 4 صفحه : 164