responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 4  صفحه : 138
المهلكات ولا يزيل صيام مائة سنة وقيام ألف ليلة منه ذرة بل لا يزيله إلا إخراج المال فعليه أن يتصدق بما معه وتفصيل هذه مما ذكرناه في ربع المهلكات فليرجع إليه فإذن باعتبار هذه الأحوال يختلف وعند ذلك يعرف البصير أن الجواب المطلق فيه خطأ إذ لو قال لنا قائل الخبز أفضل أم الماء لم يكن فيه جواب حق إلا أن الخبز للجائع أفضل والماء للعطشان أفضل فإن اجتمعا فلينظر إلى الأغلب فإن كان العطش هو الأغلب فالماء أفضل وإن كان الجوع أغلب فالخبز أفضل فإن تساويا فهما متساويان وكذا إذا قيل السكنجبين أفضل أم شراب اللينوفر لم يصح الجواب عنه مطلقاً أصلاً نعم لو قيل لنا السكنجبين أفضل أم عدم الصفراء فنقول عدم الصفراء لأن السكنجبين مراد له وما يراد لغيره فلذلك أفضل منه لا محالة فإذن في بذل المال عمل وهو الإنفاق ويحصل به حال وهو زوال البخل وخروج حب الدنيا من القلب ويتهيأ القلب بسبب خروج حب الدنيا منه لمعرفة الله تعالى وحبه فالأفضل المعرفة ودونها الحال ودونها العمل
فإن قلت فقد حث الشرع على الأعمال وبالغ في ذكر فضلها حتى طلب الصدقات بقوله {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً} وقال تعالى {ويأخذ الصدقات} فكيف لا يكون الفعل والإنفاق هو الأفضل فاعلم أن الطبيب إذا أثنى على الدواء لم يدل على أن الدواء مراد لعينه أو على أنه أفضل من الصحة والشفاء الحاصل به ولكن الأعمال علاج لمرض القلوب ومرض القلوب مما لا يشعر به غالباً فهو كبرص على وجه من لا مرآة معه فإنه لا يشعر به ولو ذكر له لا يصدق به
والسبيل معه المبالغة في الثناء على غسل الوجه بماء الورد مثلاً إن كان ماء الورد يزيل البرص حتى يستحثه فرط الثناء على المواظبة عليه فيزول مرضه فإنه لو ذكر له أن المقصود زوال البرص عن وجهك ربما ترك العلاج وزعم أن وجهه لا عيب فيه
ولنضرب مثلاً أقرب من هذا من له ولد علمه العلم والقرآن وأراد أن يثبت ذلك في حفظه بحيث لا يزول عنه وعلم أنه لو أمره بالتكرار والدراسة ليبقى له محفوظاً لقال إنه محفوظ ولا حاجة بي إلى تكرار ودراسة لأنه يظن أن ما يحفظه في الحال يبقى كذلك أبداً وكان له عبيد فأمر الولد بتعليم العبيد ووعده على ذلك بالجميل لتتوفر داعيته على كثرة التكرار بالتعليم فربما يظن الصبي المسكين أن المقصود تعليم العبيد القرآن وأنه قد استخدم لتعليمهم فيشكل عليه الأمر فيقول ما بالي قد استخدمت لأجل العبيد وأنا أجل منهم وأعز عند الوالد وأعلم أن أبي لو أراد تعليم العبيد لقدر عليه دون تكليفي به وأعلم أن لا نقصان لأبي بفقد هؤلاء العبيد فضلاً عن عدم علمهم بالقرآن فربما يتكاسل هذا المسكين فيترك تعليمهم اعتماداً على استغناء أبيه وعلى كرمه في العفو عنه فينسى العلم والقرآن ويبقى مدبراً محروماً من حيث لا يدري وقد انخدع بمثل هذا الخيال طائفة وسلكوا طريق الإباحة وقالوا أن الله تعالى غني عن عبادتنا وعن أن يستقرض منا فأي معنى لقوله {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً} ولو شاء الله إطعام المساكين لأطعمهم فلا حاجة بنا إلى صرف أموالنا إليهم كما قال تعالى حكاية عن الكفار {وإذا قيل لهم أنفقوا من ما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه} وقالوا أيضاً {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} فانظر كيف كانوا صادقين في كلامهم وكيف هلكوا بصدقهم فسبحان من إذا شاء أهلك بالصدق وإذا شاء أسعد بالجهل {يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً} فهؤلاء لما ظنوا أنهم استخدموا لأجل المساكين والفقراء أو جل الله تعالى ثم قالوا لا حظ لنا في المساكين ولا حظ لله فينا وفي أموالنا سواء أنفقنا أو أمسكنا هلكوا كما هلك الصبي لما ظن أن مقصود الوالد استخدامه لأجل

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 4  صفحه : 138
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست