نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 3 صفحه : 382
بل العالم عالمان عالم الأمر وعالم الخلق ولله الخلق والأمر فالأجسام ذوات الكمية والمقادير من عالم الأمر الخلق إذا الخلق عبارة عن التقدير في وضع اللسان وكل موجود منزه عن الكمية والمقدار فإنه من عالم الأمر وشرح ذلك سر الروح ولا رخصة في ذكره لاستضرار أكثر الخلق بسماعه كسر القدر الذي منع من إفشائه
فمن عرف سر الروح فقد عرف نفسه وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه وإذا عرف نفسه وربه عرف أنه أمر رباني بطبعه وفطرته وأنه في العالم الجسماني غريب وأن هبوطه إليه لم يكن بمقتضى طبعه في ذاته بل بأمر عارض غريب من ذاته وذلك العارض الغريب ورد على آدم صلى الله عليه وسلم وعبر عنه بالمعصية وهي التي حطته عن الجنة التي هي أليق به بمقتضى ذاته فإنها في جوار الرب تعالى وأنه أمر رباني وحنينه إلى جواب الرب تعالى له طبعي ذاتي إلا أن يصرفه عن مقتضى طبعه عوارض العالم الغريب من ذاته فينسى عند ذلك نفسه وربه
ومهما فعل ذلك فقد ظلم نفسه إذ قيل له ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون أي الخارجون عن مقتضى طبعهم ومظنة استحقاقهم
يقال فسقت الرطبة عن كمامها إذا خرجت عن معدنها الفطري
وهذه إشارة إلى أسرار يهتز لاستنشاق روائحها العارفون وتشمئز من سماع ألفاظها القاصرون فإنها تضر بهم كما تضر رياح الورد بالجعل وتبهر أعينهم الضعيفة كما تبهر الشمس أبصار الخفافيش
وانفتاح هذا الباب من سر القلب إلى عالم الملكوت يسمى معرفة وولاية ويسمى صاحبه ولياً وعارفاً وهي مبادي مقامات الأنبياء
وآخر مقامات الأولياء أول مقامات الأنبياء ولنرجع إلى الغرض المطلوب فالمقصود أن غرور الشيطان بأن الآخرة شك يدفع إما بيقين تقليدي وأما ببصيرة ومشاهدة من جهة الباطن والمؤمنين بألسنتهم وبعقائدهم إذا ضيعوا أوامر الله تعالى وهجروا الأعمال الصالحة ولابسوا الشهوات والمعاصي فهم مشاركون للكفار في هذا الغرور لأنهم آثروا الحياة الدنيا على الآخرة نعم أمرهم أخف لأن أصل الإيمان يعصمهم عن عقاب الأبد فيخرجون من النار ولو بعد حين ولكنهم أيضاً من المغرورين فإنهم اعترفوا بأن الآخرة خير من الدنيا ولكنهم مالوا إلى الدنيا وآثروها ومجرد الإيمان لا يكفي للفوز قَالَ تَعَالَى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وعمل صالحاً ثم اهتدى وقال تعالى إن رحمت الله قريب من المحسنين ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه // حديث الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه متفق عليه من حديث ابن عمر وقد تقدم
وقال تَعَالَى وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بالصبر فوعد المغفرة في جميع كتاب الله تعالى منوط بالإيمان والعمل الصالح جميعاً لا بالإيمان وحده فهؤلاء أيضاً مغرورون أعني المطمئنين إلى الدنيا الفرحين بها المترفين بنعيمها المحبين لها
الكارهين للموت خيفة فوات لذات الدنيا دون الكارهين له خيفة لما بعده فهذا مثال الغرور بالدنيا من الكفار والمؤمنين جميعاً
ولنذكر للغرور بالله مثالين من غرور الكافرين والعاصين
فأما غرور الكفار بالله فمثاله قول بعضهم في أنفسهم وبألسنتهم إنه لو كان لله من معاد فنحن أحق به من غيرنا ونحن أوفر حظاً فيه وأسعد حالاً كما أخبر الله تعالى عنه من قول الرجلين المتحاورين إذ قال وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً وجملة أمرهما كما نقل في التفسير أن الكافر منهما بنى قصراً بألف دينار واشترى بستاناً بألف دينار وخدماً بألف دينار وتزوج امرأة على ألف دينار وفي ذلك كله يعظه المؤمن ويقول اشتريت قصراً يفنى ويخرب ألا اشتريت قصراً في الجنة لا يفنى واشتريت بستاناً يخرب ويفنى ألا اشتريت بستاناً في الجنة لا يفنى وخدماً لا يفنون ولا يموتون وزوجة من الحور العين لا تموت وفي كل ذلك يرد عليه الكافر ويقول ما هناك شيء وما
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 3 صفحه : 382