responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 3  صفحه : 373
ولا تعجب بمن إليه الأمر كله ولا تعجب بجوده وفضله وكرمه في إيثاره إياك على الفساق من عباده إذ سلط دواعي الفساد على الفساق وصرفها عنك وسلط أخدان السوء ودعاة الشر عليهم وصرفهم عنك ومكنك من أسباب الشهوات واللذات وزواها عنك وصرف عنهم بواعث الخير ودواعيه وسلطها عليك حتى تيسر لك الخير وتيسر لهم الشر فعل ذلك كله بك من غير وسيلة سابقة منك ولا جريمة سابقة من الفاسق العاصي بل آثرك وقدمك واصطفاك بفضله وأبعد العاصي وأشقاه بعدله فما أعجب إعجابك بنفسك إذا عرفت ذلك فإذن لا تنصرف قدرتك إلى المقدور إلا بتسليط الله عليك داعية لا تجد سبيلاً إلى مخالفتها فكأنه الذي اضطرك إلى الفعل إن كنت فاعلاً تحقيقاً فله الشكر والمنة لا لك وسيأتي في كتاب التوحيد والتوكل من بيان تسلسل الأسباب والمسببات ما تستبين به أنه لا فاعل إلا الله ولا خالق سواه والعجب ممن يتعجب إذا رزقه الله عقلاً وأفقره فمن أفاض عليه المال من غير علم فيقول كيف منعني قوت يومي وأنا العاقل الفاضل وأفاض على هذا نعيم الدنيا وهو الغافل الجاهل حتى يكاد يرى هذا ظلماً ولا يدري المغرور أنه لو جمع له بين العقل والمال جميعا لكان ذلك بالظلم أشبه في ظاهر الحال إذ يقول الجاهل الفقير يا رب لم جمعت له بين العقل والغنى وحرمتني منهما فهلا جمعتهما لي أو لا هلا رزقتني أحدهما وإلى هذا أشار علي رضي الله عنه حيث قيل له ما بال العقلاء فقراء فقال إن عقل الرجل محسوب عليه من رزقه
والعجب أن العاقل الفقير ربما يرى الجاهل الغني أحسن حالاً من نفسه ولو قيل له هل تؤثر جهله وغناه عوضاً عن عقلك وفقرك لامتنع عنه فإذن ذلك يدل على أن نعمة الله عليه أكبر فلم يتعجب من ذلك والمرأة الحسناء الفقيرة ترى الحلي والجواهر على الدميمة القبيحة فتعجب وتقول كيف يحرم مثل هذا الجمال من الزينة ويخصص مثل ذلك القبح ولا تدري المغرورة أن الجمال محسوب عليها من رزقها وأنها لو خيرت بين الجمال وبين القبح مع الغنى لآثرت الجمال فإذن نعمة الله عليها أكبر
وقول الحكيم الفقير العاقل بقلبه يا رب لم حرمتني الدنيا وأعطيتها الجهال كقول من أعطاه الملك فرساً فيقول أيها الملك لم لا تعطيني الغلام وأنا صاحب فرس فيقول كنت لا تتعجب من هذا لو لم أعطك الفرس فهب أني ما أعطيتك فرساً أصارت نعمتي عليك وسيلة لك وحجة تطلب بها نعمة أخرى فهذه أوهام لا تخلو الجهال عنها ومنشأ جميع ذلك الجهل ويزال ذَلِكَ بِالْعِلْمِ الْمُحَقَّقِ بِأَنَّ الْعَبْدَ وَعَمَلَهُ وَأَوْصَافَهُ كل ذلك من عند الله تعالى نعمة ابتدأه به قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ وَهَذَا يَنْفِي الْعُجْبَ وَالْإِدْلَالَ وَيُورِثُ الخضوع والشكر والخوف من زوال النعمة
ومن عرف هذا لم يتصور أن يعجب بعلمه وعمله إذ يعلم أن ذلك من الله تعالى ولذلك قال داود عليه السلام يا رب ما تأتي ليلة إلا وإنسان من آل داود صائم وفي رواية ما تمر ساعة من ليل أو نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك إما يصلي وإما يصوم وإما يذكرك فأوحى الله تعالى إليه يا داود ومن أين لهم ذلك أن ذلك لم يكن إلا بي ولولا عوني إياك ما قويت وسأكلك إلى نفسك قال ابن عباس إنما أصاب داود ما أصاب من الذنب بعجبه بعمله إذ أضافه إلى آل داود مدلاً به حتى وكل إلى نفسه فأذنب ذنباً أورثه الحزن والندم
وقال داود يا رب إن بني إسرائيل يسألونك بإبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال إني ابتليتهم فصبروا فقال يا رب وأنا إن ابتليتني صبرت فأدل بالعمل قبل وقته فقال الله تعالى فإني لم أخبرهم بأي شيء أبتليهم ولا في أي شهر ولا في أي يوم وأنا مخبرك في سنتك هذه وشهرك هذا أبتليك غداً بامرأة فاحذر نفسك فوقع فيما وقع فيه
وكذلك لما اتكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين على قوتهم وكثرتهم

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 3  صفحه : 373
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست