responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 3  صفحه : 201
كتاب ذم الدنيا وهو الكتاب السادس من ربع المهلكات من كتاب إحياء
العلوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي عرف أولياءه غوائل الدنيا وآفاتها وكشف لهم عن عيوبها وعوراتها حتى نظروا في شواهدها وآياتها ووزنوا بحسناتها سيئاتها فعلموا أنه يزيد منكرها على معروفها ولا يفي مرجوها بمخوفها ولا يسلم طلوعها من كسوفها ولكنها في صورة امرأة مليحة تستميل الناس بجمالها ولها أسرار سوء قبائح تهلك الراغبين في وصالها ثم هي فرارة عن طلابها شحيحة بإقبالها وإذا أقبلت لم يؤمن شرها ووبالها إن أحسنت ساعة أساءت سنة وإن أساءت مرة جعلتها سنة فدوائر إقبالها على التقارب دائرة وتجارة بنيها خاسرة بائرة وآفاتها على التوالي لصدور طلابها راشقة ومجاري أحوالها بذل طالبيها ناطقة فكل مغرور بها إلى الذل مصيره وكل متكبر بها إلى التحسر مسيره شأنها الهرب من طالبها والطلب لهاربها ومن خدمها فاتته ومن أعرض عنها واتته لا يخلو صفوها عن شوائب الكدورات ولا ينفك سرورها عن المنغصات سلامتها تعقب السقم وشبابها يسوق إلى الهرم ونعيمها لا يثمر إلا الحسرة والندم فهي خداعة مكارة طيارة فرارة لا تزال تتزين لطلابها حتى إذا صاروا من أحبابها كشرت لهم عن أنيابها وشوشت عليهم مناظم أسبابها وكشفت لهم عن مكنون عجائبها فأذاقتهم قواتل سمامها ورشقتهم بصوائب سهامها بينما أصحابها منها في سرور وإنعام إذ ولت عنها كأنها أضغاث أحلام ثم عكرت عليهم بدواهيها فطحنتهم طحن الحصيد ووارتهم في أكفانهم تحت الصعيد إن ملكت واحداً منهم جميع ما طلعت عليه الشمس جعلته حصيداً كأن لم يغن بالأمس تمنى أصحابها سروراً وتعدهم غروراً حتى يأملون كثيراً ويبنون قصورا فتصبح قصورهم قبورا وجمعهم بورا وسعيهم هباء منثورا ودعاؤهم ثبورا هذه صفتها وكان أمر الله قدراً مقدورا والصلاة والسلام على محمد عبده ورسوله المرسل إلى العالمين بشيراً ونذيرا وسراجاً منيرا وعلى من كان من أهله وأصحابه له في الدين ظهيرا وعلى الظالمين نصيرا وسلم تسليماً كثيراً أما بعد فإن الدنيا عدوة لله وعدوة لأولياء الله وعدوة لأعداء الله أما عداوتها لله فإنها قطعت الطريق على عباد الله ولذلك لم ينظر الله إليها منذ خلقها وأما عداوتها لأولياء الله عز وجل فإنه تزينت لهم بزينتها وعمتهم بزهرتها ونضارتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها وأما عداوتها لأعداء الله فإنها استدرجتهم بمكرها وكيدها فاقتنصتهم بشبكتها حتى وثقوا بها وعولوا عليها فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها فاجتنوا منها حسرة تتقطع دونها الأكباد ثم حرمتهم السعادة أبد الآباد فهم على فراقها يتحسرون ومن مكايدها يستغيثون ولا يغاثون بل يقال لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون أولئك الذي اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب ولا هم ينصرون
وإذا عظمت غوائل الدنيا وشرورها فلا بد أولاً من معرفة حقيقة الدنيا وما هي وما الحكمة في خلقها مع عداوتها وما مدخل غرورها وشرورها فإن من لا يعرف الشر لا يتقيه ويوشك أن يقع فيه ونحن نذكر ذم

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 3  صفحه : 201
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست