نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 3 صفحه : 168
أن يصبر إلى أن يحترق جميع ما يقبل الاحتراق فكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ وربما تقوى نار الغضب فتفني الرطوبة التي بها حياة القلب فيموت صاحبه غيظاً كما تقوى النار في الكهف فينشق وتنهد أعاليه على أسفله وذلك لإبطال النار ما في جوانبه من القوة الممسكة الجامعة لأجزائه فهكذا حال القلب عند الغضب وبالحقيقة فالسفينة في ملتطم الأمواج عند اضطراب الرياح في لجة البحر أحسن حالاً وأرجى سلامة من النفس المضطربة غيظاً إذ في السفينة من يحتال لتسكينها وتدبيرها وينظر لها ويسوسها وأما القلب فهو صاحب السفينة وقد سقطت حيلته إذا أعماه الغضب وأصمه وَمِنْ آثَارِ هَذَا الْغَضَبِ فِي الظَّاهِرِ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وَشِدَّةُ الرِّعْدَةِ فِي الْأَطْرَافِ وَخُرُوجُ الْأَفْعَالِ عَنِ التَّرْتِيبِ وَالنِّظَامِ وَاضْطِرَابُ الْحَرَكَةِ وَالْكَلَامِ حَتَّى يَظْهَرَ الزَّبَدُ عَلَى الْأَشْدَاقِ وَتَحْمَرَّ الْأَحْدَاقُ وَتَنْقَلِبَ الْمَنَاخِرُ وَتَسْتَحِيلَ الْخِلْقَةُ وَلَوْ رَأَى الْغَضْبَانُ فِي حالة غَضَبِهِ قُبْحَ صُورَتِهِ لَسَكَنَ غَضَبُهُ حَيَاءً مِنْ قُبْحِ صُورَتِهِ وَاسْتِحَالَةِ خِلْقَتِهِ وَقُبْحُ بَاطِنِهِ أَعْظَمُ مَنْ قُبْحِ ظَاهِرِهِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا قَبُحَتْ صُورَةُ الْبَاطِنِ أَوَّلًا ثُمَّ انْتَشَرَ قُبْحُهَا إِلَى الظَّاهِرِ ثَانِيًا فَتَغَيُّرُ الظَّاهِرِ ثَمَرَةُ تغير الباطن فقس الثمرة بالمثمرة فَهَذَا أَثَرُهُ فِي الْجَسَدِ وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي اللِّسَانِ فَانْطِلَاقُهُ بِالشَّتْمِ وَالْفُحْشِ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يَسْتَحِي مِنْهُ ذُو الْعَقْلِ وَيَسْتَحِي مِنْهُ قَائِلُهُ عِنْدَ فُتُورِ الْغَضَبِ وَذَلِكَ مَعَ تَخَبُّطِ النَّظْمِ واضطراب اللفظ
أما أَثَرُهُ عَلَى الْأَعْضَاءِ فَالضَّرْبُ وَالتَّهَجُّمُ وَالتَّمْزِيقُ وَالْقَتْلُ والجرح عند التمكن من غير مبالاة فإن هرب منه المغضوب عليه أو فاته بسبب وعجز عن التشفي رجع الغضب على صاحبه فمزق ثَوْبَ نَفْسِهِ وَيَلْطُمُ نَفْسَهُ وَقَدْ يَضْرِبُ بِيَدِهِ على الأرض ويعدو عدو الواله السكران والمدهوش المتحير وربما يسقط سريعاً لا يطيق العدو والنهوض بسبب شدة الغضب ويعتر به مثل الغشية وربما يضرب الجمادات والحيوانات فيضرب القصعة مثلاً على الأرض وقد يكسر المائدة إذا غضب عليها ويتعاطى أفعال المجانين فيشتم البهيمة والجمادات ويخاطبها ويقول إلى متى منك هذا يا كيت وكيت كأنه يخاطب عاقلاً حتى ربما رفسته دابة فيرفس الدابة ويقابلها بذلك
وأما أثرة في القلب مع المغضوب عليه فَالْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَإِضْمَارُ السُّوءِ وَالشَّمَاتَةُ بِالْمَسَاءَاتِ وَالْحُزْنُ بِالسُّرُورِ وَالْعَزْمُ عَلَى إِفْشَاءِ السِّرِّ وَهَتْكِ السِّتْرِ وَالِاسْتِهْزَاءُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ فَهَذِهِ ثَمَرَةُ الْغَضَبِ الْمُفْرِطِ
وَأَمَّا ثَمَرَةُ الْحَمِيَّةِ الضَّعِيفَةِ فَقِلَّةُ الْأَنَفَةِ مِمَّا يُؤْنَفُ مِنْهُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْحُرُمِ والزوجة والأمة واحتمال الذل من الأخساء وصغر النفس والقماءة وَهُوَ أَيْضًا مَذْمُومٌ إِذْ مِنْ ثَمَرَاتِهِ عَدَمُ الغيرة على الحرام وهو خنوثة قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ سعدا لغيور وأنا أغير من سعد وأن الله أَغْيَرُ مِنِّي (1)
وَإِنَّمَا خُلِقَتِ الْغَيْرَةَ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَلَوْ تَسَامَحَ النَّاسُ بِذَلِكَ لَاخْتَلَطَتِ الْأَنْسَابُ وَلِذَلِكَ قِيلَ كُلُّ أُمَّةٍ وُضِعَتِ الْغَيْرَةُ فِي رِجَالِهَا وُضِعَتِ الصِّيَانَةُ فِي نِسَائِهَا وَمِنْ ضَعْفِ الْغَضَبِ الْخَوَرُ وَالسُّكُوتُ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرَاتِ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم خير أمتي أحداؤها (2)
يعني في الدين وقال تَعَالَى {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله} بل من فقد الغضب عجز عن رياضة نفسه إذ لا تتم الرياضة إلا بتسليط الغضب على الشهوة حتى يغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة فَفَقْدُ الْغَضَبِ مَذْمُومٌ وَإِنَّمَا الْمَحْمُودُ غَضَبٌ يَنْتَظِرُ إِشَارَةَ الْعَقْلِ وَالدِّينِ فَيَنْبَعِثُ حَيْثُ تَجِبُ الْحَمِيَّةُ وينطفيء حَيْثُ يَحْسُنُ الْحِلْمُ وَحِفْظُهُ عَلَى حَدِّ الِاعْتِدَالِ هُوَ الِاسْتِقَامَةُ الَّتِي كَلَّفَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ وَهُوَ الْوَسَطُ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم
(1) حديث إن سعدا لغيور الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وهو متفق عليه من حديث المغيرة بنحوه وتقدم في النكاح
(2) حديث خير أمتي أحداؤها أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب من حديث علي بسند ضعيف وزاد الذين إذا غضبوا رجعوا
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 3 صفحه : 168