نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 293
الزائف
وقال آخر من حزن فليسمع الألحان
فإن النفس إذا دخلها الحزن خمد نورها وإذا فرحت اشتعل نورها وظهر فرحها فيظهر الحنين بقدر قبول القابل وذلك بقدر صفائه ونقائه من الغش والدنس
والأقاويل المقررة في السماع والوجد كثيرة ولا معنى للاستكثار من إيرادها فلنشتغل بتفهيم المعنى الذي الوجد عبارة عنه فنقول إنه عبارة عن حالة يثمرها السماع وهو وارد حق جديد عقيب السماع يجده المستمع من نفسه
وتلك الحالة لا تخلو عن قسمين فإنها إما أن ترجع إلى مكاشفات ومشاهدات هي من قبيل العلوم والتنبيهات وإما أن ترجع إلى تغيرات وأحوال ليست من العلوم بل هي كالشوق والخوف والحزن والقلق والسرور والأسف والندم والبسط والقبض وهذه الأحوال يهيجها السماع ويقويها فإن ضعف بحيث لم يؤثر في تحريك الظاهر أو تسكينه أو تغيير حاله حتى يتحرك على خلاف عادته أو يطرق أو يسكن عن النظر والنطق والحركة على خلاف عادته لم يسم وجداً وإن ظهر على الظاهرسمى وجداً إما ضعيفاً وإما قوياً بحسب ظهوره وتغييره للظاهر وتحريكه بحسب قوة وروده وحفظ الظاهر عن التغيير بحسب قوة الواجد وقدرته على ضبط جوارحه فقد يقوى الوجد في الباطن ولا يتغير الظاهر لقوة صاحبه وقد لا يظهر لضعف الوارد وقصوره عن التحريك وحل عقد التماسك
وإلى معنى الأول أشار أبو سعيد بن الأعرابي حيث قال في الوجد إنه مشاهدة الرقيب وحضور الفهم وملاحظة الغيب ولا يبعد أن يكون السماع سبباً لكشف ما لم يكن مكشوفاً قبله فإن الكشف يحصل بأسباب منها التنبيه والسماع منبه ومنها تغير الأحوال ومشاهدتها وإدراكها فإن إدراكها نوع علم يفيد إيضاح أمور لم تكن معلومة قبل الورود ومنها صفاء القلب والسماع يؤثر في تصفية القلب والصفاء يسبب الكشف ومنها انبعاث نشاط القلب بقوة السماع فيقوى به على مشاهدة ما كان تقصر عنه قبل ذلك قوته كما يقوى البعير على حمل ما كان لا يقوى عليه قبله
وعمل القلب الاستكشاف وملاحظة أسرار الملكوت كما أن عمل البعير حمل الأثقال فبواسطة هذه الأسباب يكون سبباً للكشف بل القلب إذا صفا ربما يمثل له الحق في صورة مشاهدة أو في لفظ منظوم يقرع سمعه يعبر عنه بصوت الهاتف إذا كان في اليقظة وبالرؤيا إذا كان في المنام وذلك جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة
وعلم تحقيق ذلك خارج عن علم المعاملة وذلك كما روي عن محمد بن مسروق البغدادي أنه قال خرجت ليلة في أيام جهالتي وأنا نشوان وكنت أغني هذا البيت
بطور سيناء كرم ما مررت به ... إلا تعجبت ممن يشرب الماء
فسمعت قائلاً يقول
وفي جهنم ماء ما تجرعه ... خلق فأبقى له في الجوف أمعاء
قال فكان ذلك سبب توبتي واشتغالي بالعلم والعبادة
فانظر كيف أثر الغناء في تصفية قلبه حتى تمثل له حقيقة الحق في صفة جهنم في لفظ مفهوم موزون وقرع ذلك سمعه الظاهر
وروى عن مسلم العباداني أنه قال قدم علينا صالح المري وعتبة الغلام وعبد الواحد بن زيد ومسلم الأسواري فنزلوا على الساحل قال فهيأت لهم ذات ليلة طعاماً فدعوتهم إليه فجاؤا فلما وضعت الطعام بين أيديهم إذا بقائل يقول رافعاً صوته هذا البيت
وتلهيك عن دار الخلود مطاعم ... ولذة نفس غيها غير نافع
قال فصاح عتبة الغلام صيحة وخر مغشياً عليه وبكى القوم فرفعت الطعام وما ذاقوا والله منه لقمة
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 293