نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 283
الشاعر ولغته
فهذا الوجد حق وصدق
ومن استشعر خطر هلاك الآخرة فجدير بأن يتشوش عليه عقله وتضطرب عليه أعضاؤه
فإذن ليس في تغيير أعيان الألفاظ كبير فائدة بل الذي غلب عشق مخلوق ينبغي أن يحترز من السماع بأي لفظ كان والذي غلب عليه حب الله تعالى فلا تضره الألفاظ ولا تمنعه عن فهم المعاني اللطيفة المتعلقة بمجاري همته الشريفة
العارض الرابع في المستمع وهو أن تكون الشهوة غالبة عليه وكان في غرة الشباب وكانت هذه الصفة أغلب عليه من غيرها فالسماع حرام عليه سواء غلب على قلبه حب شخص معين أو لم يغلب فإنه كيفما كان فلا يسمع وصف الصدغ والخد والفراق والوصال إلا ويحرك ذلك شهوته وينزله على صورة معينة ينفخ الشيطان بها في قلبه فتشتعل فيه نار الشهوة وتحتد بواعث الشر
وذلك هو النصرة لحزب الشيطان والتخذيل للعقل المانع منه الذي هو حزب اللهتعالى والقتال في القلب دائم جنود الشيطان وهي الشهوات وبين حزب الله تعالى وهو نور العقل إلا في قلب قد فتحه أحد الجندين واستولى عليه بالكلية
وغالب القلوب الآن قد فتحها جند الشيطان وغلب عليها فتحتاج حينئذ إلى أن تستأنف أسباب القتال لإزعاجها فكيف يجوز تكثير أسلحتها وتشحيذ سيوفها وأسنتها والسماع مشحذ لأسلحة جند الشيطان في حق مثل هذا الشخص
فليخرج مثل هذا عن مجمع السماع فإنه يستضر به
العارض الخامس أن يكون الشخص من عوام الخلق ولم يغلب عليه حب الله تعالى فيكون السماع له محبوباً ولو غلبت عليه شهوة فيكون في حقه محظوراً
ولكنه أبيح في حقه كسائر أنواع اللذات المباحة إلا أنه إذا اتخذه ديدنه وهجيراه وقصر عليه أكثر أوقاته فهذا هو السفيه الذي ترد شهادته فإن المواظبة على اللهو جناية
وكما أن الصغيرة بالإصرار والمداومة تصير كبيرة فكذلك بعض المباحات بالمداومة تصير صغيرة وهو كالمواظبة على متابعة الزنوج والحبشة والنظر إلى لعبهم على الدوام فإنه ممنوع وإن لم يكن أصله ممنوعاً إذ فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن هذا القبيل اللعب بالشطرنج فإنه مباح ولكن المواظبة عليه مكروهة كراهة شديدة
ومهما كان الغرض اللعب والتلذذ باللهو فذلك إنما يباح لما فيه من ترويح القلب إذ راحة القلب معالجة له في بعض الأوقات لتنبعث دواعيه فيشتغل في سائر الأوقات بالجد الدنيا كالكسب والتجارة أو في الدين كالصلاة والقراءة
واستحسان ذلك فيما بين تضاعيف الجد كاستحسان الخال على الخد ولو استوعبت الخيلان في الوجه لشوهته فما أقبح ذلك فيعود الحسن قبحاً بسبب الكثرة فما كل حسن يحسن كثيره ولا كل مباح يباح كثيره بل الخبز مباح والاستكثار منه حرام
فهذا المباح كسائر المباحات
فإن قلت فقد أدى مساق هذا الكلام إلى أنه مباح في بعض الأحوال دون بعض فلم أطلقت القول أولاً بالإباحة إذ إطلاق القول في المفصل بلا أو بنعم خلف وخطأ فاعلم أن هذا غلط لأن الإطلاق إنما يمتنع لتفصيل ينشأ من غير ما فيه النظر فأما ما ينشأ من الأحوال العارضة المتصلة به من خارج فلا يمنع الإطلاق ألا ترى أنا إذا سئلنا عن العسل أهو حلال أم لا قلنا إنه حلال على الإطلاق مع أنه حرام على المحرور الذي يستضر به وإذا سئلنا عن الخمر قلنا
إنها حرام
مع إنها تحل لمن غص بلقمة أن يشربها مهما لم يجد غيرها ولكن هي من حيث أنها خمر حرام وإنما أبيحت لعارض الحاجة
والعسل من حيث إنه عسل حلال وإنما حرم لعارض الضرر وما يكون لعارض فلا يلتفت إليه فإن البيع حلال ويحرم بعارض الوقوع في وقت النداء يوم الجمعة ونحوه من العوارض والسماع من جملة المباحات من حيث إنه سماع صوت طيب موزون مفهوم وإنما تحريمه لعارض خارج
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 283