responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 2  صفحه : 250
وقد ذكر منهاجه في
كتاب العزلة فليفهم هذا منه فإن السفر نوع مخالطة مع زيادة تعب ومشقة
تفرق الهم وتشتت القلب في حق الأكثرين
والأفضل في هذا ما هو الأعون على الدين ونهاية ثمرة الدين في الدنيا تحصيل معرفة الله تعالى وتحصيل الأنس بذكر الله تعالى والأنس يحصل بدوام الذكر والمعرفة تحصل بدوام الفكر
ومن لم يتعلم طريق الفكر والذكر لم يتمكن منهما
والسفر هو المعين على التعلم في الابتداء
والإقامة هي المعينة على العمل بالعلم في الانتهاء وأما السياحة في الأرض على الدوام فمن المشوشات للقلب إلا في حق الأقوياء فإن المسافر وماله لعلى قلق إلا ما وقى الله فلا يزال المسافر مشغول القلب تارة بالخوف على نفسه وماله وتارة بمفارقة ما ألفه واعتاده في إقامته
وإن لم يكن معه مال يخاف عليه فلا يخلو عن الطمع والاستشراف الى الخلق فتارة يضعف قلبه بسبب الفقر وتارة يقوى باستحكام أسباب الطمع
ثم الشغل بالحط والترحال مشوش لجميع الأحوال فلا ينبغي أن يسافر المريد إلا في طلب علم أو مشاهدة شيخ يقتدي به في سيرته وتستفاد الرغبة في الخير من مشاهدته فان اشتغل بنفسه واستبصر وانفتح له طريق الفكر أو العمل فالسكون أولى به إلا أن أكثر متصوفة هذه الأعصار لما خلت بواطنهم عن لطائف الأفكار ودقائق الأعمال ولم يحصل لهم أنس بالله تعالى وبذكره في الخلوة وكانوا بطالين غير محترفين ولا مشغولين قد ألفوا البطالة واستثقلوا العمل واستوعروا طريق الكسب واستلانوا جانب السؤال والكدية واستطابوا الرباطات المبنية لهم في البلاد واستسخروا الخدم المنتصبين للقيام بخدمة القوم واستخفوا عقولهم وأديانهم من حيث لم يكن قصدهم من الخدمة إلا الرياء والسمعة وانتشار الصيت واقتناص الأموال بطريق السؤال تعللاً بكثرة الأتباع فلم يكن لهم في الخانقاهات حكم ناقذ ولا تأديب للمريد بن نافع ولا حجر عليهم قاهر فبسوا المرقعات واتخذوا في الخانقاهات متنزهات وربما تلقفوا ألفاظاً مزخرفة من أهل الطامات فينظرون الى أنفسهم وقد تشبهوا بالقوم في خرقتهم وفي سياحتهم وفي لفظهم وعبارتهم وفي آداب ظاهرة من سيرتهم فيظنون بأنفسهم خيراً ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً ويعتقدون أن كل سوداء تمرة ويتوهمون أن المشاركة في الظاهر توجب المساهمة في الحقائق وهيهات فما أغزر حماقة من لا يميز بين الشحم والورم فهؤلاء بغضاء الله فإن الله تعالى يبغض الشاب الفارغ
ولم يحملهم على السياحة إلا الشباب والفراغ إلا من سافر لحج أو عمرة في غير رياء ولا سمعة أو سافر لمشاهدة شيخ يقتدي به في علمه وسيرته وقد خلت البلاد عنه الآن
والأمور الدينية كلها قد فسدت وضعفت إلا التصوف فإنه قد انمحق بالكلية وبطل لأن العلوم لم تندرس بعد والعالم وإن كان عالم سوء فإنما فساده في سيرته لا في علمه فيبقى عالماً غير عامل بعلمه والعمل غير العلم
وأما التصوف فهو عبارة عن تجرد القلب لله تعالى واستحقار ما سوى الله
وحاصله يرجع الى عمل القلب والجوارح
ومهما فسد العمل فات الأصل
وفي أسفار هؤلاء نظر للفقهاء من حيث أنه إتعاب للنفس بلا فائدة وقد يقال إن ذلك ممنوع
ولكن الصواب عندنا أن نحكم بالإباحة فإن حظوظهم التفرج عن كرب البطالة بمشاهدة البلاد المختلفة وهذه الحظوظ وإن كانت خسيسة فنفوس المتحركين لهذه الحظوظ أيضاً خسيسة ولا بأس بإتعاب حيوان خسيس لحظ خسيس يليق به ويعود إليه فهو المتأذي والمتلذذ
والفتوى تقتضي تشتيت العوام في المباحات التي لا نفع فيها ولا ضرر فالسابحون في غير مهم في الدين والدنيا بل لمحض التفرج في البلاد كالبهائم المترددة في الصحارى فلا بأس بسياحتهم ما كفوا عن الناس شرهم ولم يلبسوا على الخلق حالهم وإنما عصيانهم في التلبيس والسؤال على اسم التصوف والأكل من الأوقاف التي وقفت على الصوفية لأن الصوفي عبارة عن رجل صالح عدل في دينه مع صفات أخر

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 2  صفحه : 250
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست