نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 247
إلى فصاحة لسان الحال ولو قدر كل عاجز على مثل هذا السير لما كان سليمان عليه السلام مختصا بفهم منطق الطير ولما كان موسى عليه السلام مختصا بسماع كلام الله تعالى الذي يجب تقديسه عن مشابهة الحروف والأصوات
ومن يسافر ليستقرئ هذه الشهادات من الأسطر المكتوبة بالخطوط الإلهية على صفحات الجمادات لم يطل سفره بالبدن بل يستقر في موضع ويفرغ قلبه للتمتع بسماع نغمات التسبيحات من آحاد الذرات فماله وللتردد في الفلوات وله غنية في ملكوت السماوات فالشمس والقمر والنجوم بأمره مسخرات
وهي إلى أبصار ذوى البصائر مسافرات في الشهر والسنة مرات بل هي دائبة في الحركة على توالى الأوقات
فمن الغرائب أن يدأب في الطواف بآحاد المساجد من أمرت الكعبة أن تطوف به ومن الغرائب أن يطوف في أكناف الأرض من يطوف به أقطار السماء
ثم ما دام المسافر مفتقرا إلى أن يبصر عالم الملك والشهادة بالبصر الظاهر فهو بعد في المنزل الأول من منازل السائرين إلى الله والمسافرين إلى حضرته وكأنه معتكف على باب الوطن لم يفض به المسير إلى متسع الفضاء ولا سبب لطول المقام في هذا المنزل إلا الجبن والقصور
ولذلك قال بعض أرباب القلوب إن الناس ليقولون افتحوا أعينكم حتى تبصروا وأنا أقول غمضوا أعينكم حتى تبصروا وكل واحد من القولين حق إلا أن الأول خبر عن المنزل الأول القريب من الوطن والثاني خبر عما بعده من المنازل البعيدة عن الوطن التي لا يطؤها إلا مخاطر بنفسه والمجاوز إليها ربما يتيه فيها سنين وربما يأخذ التوفيق بيده فيرشده الى سواء السبيل والهالكون في التيه هم الأكثرون من ركاب هذه الطريق ولكن السائحون بنور التوفيق فازوا بالنعيم والملك المقيم وهم الذين سبقت لهم من الله الحسنى واعتبر هذا الملك بملك الدنيا فإنه يقل بالإضافة الى كثرة الخلق طلابه ومهما عظم المطلوب قل المساعد
ثم الذي يهلك أكثر من الذي يملك
ولا يتصدى لطلب الملك العاجز الجبان لعظيم الخطر وطول التعب
وإذا كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام
وما أودع الله العز والملك في الدين والدنيا إلا في حيز الخطر
وقد يسمى الجبان الجبن والقصور باسم الحزم والحذر كما قيل
ترى الجبناء أن الجبن حزم ... وتلك خديعة الطبع اللئيم
فهذا حكم السفر الظاهر إذا أريد به السفر الباطن بمطالعة آيات الله في الأرض
فلنرجع الى الغرض الذي كنا نقصده ولنبين القسم الثاني وهو أن يسافر لأجل العبادة إما لحج أو جهاد وقد ذكرنا فضل ذلك وآدابه وأعماله الظاهرة والباطنة في
كتاب أسرار الحج ويدخل في جملته زيارة قبور الأنبياء عليهم السلام
وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء وكل من يتبرك بمشاهدته في حياته يتبرك بزيارته بعد وفاته ويجوز شد الرحال لهذا الغرض ولا يمنع من هذا قوله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرجال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الحرام والمسجد الأقصى (1)
لأن ذلك في المساجد فإنها متماثلة بعد هذه المساجد وإلا فلا فرق بين زيارة قبور الأنبياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتاً عظيماً بحسب اختلاف درجاتهم عند الله
وبالجملة زيارة الأحياء أولى من زيارة الأموات
والفائدة من زيارة الأحياء طلب بركة الدعاء وبركة النظر إليهم
(1) حديث لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجدالحديث تقدم في الحج
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 247