نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 163
والفضة ولا غرض فيهما إذ لا يطعم ولا يلبس ولكنهما وسيلة إلى المحبوبات فمن الناس من يحب كما يحب الذهب والفضة من حيث إنه وسيلة إلى المقصود إذ يتوصل به إلى نيل جاه أو مال أو علم كما يحب الرجل سلطاناً لانتفاعه بماله أو جاهه ويحب خواصه لتحسينهم حاله عنده وتمهيدهم أمره في قلبه فالمتوسل إليه إن كان مقصور الفائدة على الدنيا لم يكن حبه من جملة الحب في الله وإن لم يكن مقصور الفائدة على الدنيا ولكنه ليس يقصد به إلا الدنيا كحب التلميذ لأستاذه فهو أيضاً خارج عن الحب لله فإنه إنما يحبه ليحصل منه العلم لنفسه فمحبوبه العلم فإذا كان لا يقصد العلم للتقرب إلى الله بل لينال به الجاه والمال والقبول عند الخلق فمحبوبه الجاه والقبول والعلم وسيلة إليه والأستاذ وسيلة إلى العلم فليس في شيء من ذلك حب لله إذ لا يتصور كل ذلك ممن لا يؤمن بالله تعالى أصلاً
ثم ينقسم هذا أيضاً إلى مذموم ومباح فإن كان يقصد به التوصل إلى مقاصد مذمومة من قهر الأقران وحيازة أموال اليتامى وظلم الرعاة بولاية القضاء أو غيره كان كالحب مذموما وإن كان يقصد به التوصل إلى مباح وإنما تكتسب الوسيلة الحكم والصفة من المقصد المتوصل إليه فإنها تابعة له غير قائمة بنفسها
القسم الثالث أن يحبه لا لذاته بل لغيره وذلك الغير ليس راجعاً إلى حظوظه في الدنيا بل يرجع إلى حظوظه في الآخرة فهذا أيضاً ظاهر لا غموض فيه وذلك كمن يحب أستاذه وشيخه لأنه يتوصل به إلى تحصيل العلم وَتَحْسِينِ الْعَمَلِ وَمَقْصُودُهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ الْفَوْزُ فِي الْآخِرَةِ فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُحِبِّينَ فِي اللَّهِ وَكَذَلِكَ مَنْ يُحِبُّ تِلْمِيذَهُ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّفُ منه العلم وينال بواسطته رتبة التعليم ويرقى به إلى درجة التعظيم في ملكوت السماء إذ قال عيسى صلى الله عليه وسلم من علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السماء
ولا يتم التعلم إلا بمتعلم فهو إذن آلة في تحصيل هذا الكمال فإن أحبه لأنه آلة له إذ جعل صدره مزرعة لحرثه الذي هو سبب ترقية إلى رتبة التعظيم في ملكوت السماء فَهُوَ مُحِبٌّ فِي اللَّهِ بَلِ الَّذِي يَتَصَدَّقُ بأمواله لله ويجمع الضيفان ويهي لَهُمُ الْأَطْعِمَةَ اللَّذِيذَةَ الْغَرِيبَةَ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ فأجد طَبَّاخًا لِحُسْنِ صَنْعَتِهِ فِي الطَّبْخِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحِبِّينَ فِي اللَّهِ وَكَذَا لَوْ أَحَبَّ مَنْ يَتَوَلَّى لَهُ إِيصَالَ الصَّدَقَةِ إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ فقد أحبه في الله بل تزيد على هذا ونقول إذا أَحَبَّ مَنْ يَخْدُمُهُ بِنَفْسِهِ فِي غَسْلِ ثِيَابِهِ وَكَنْسِ بَيْتِهِ وَطَبْخِ طَعَامِهِ وَيُفَرِّغُهُ بِذَلِكَ لِلْعِلْمِ أَوِ الْعَمَلِ وَمَقْصُودُهُ مِنِ اسْتِخْدَامِهِ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْفَرَاغُ لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ مُحِبٌّ فِي اللَّهِ بل نزيد عليه ونقول إذا أَحَبَّ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَيُوَاسِيهِ بِكُسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ وَمَسْكَنِهِ وَجَمِيعِ أَغْرَاضِهِ الَّتِي يَقْصِدُهَا فِي دُنْيَاهُ وَمَقْصُودُهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْفَرَاغُ لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ الْمُقَرِّبِ إِلَى اللَّهِ فَهُوَ مُحِبٌّ فِي اللَّهِ
فَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ تَكَفَّلَ بِكِفَايَتِهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أُولِي الثَّرْوَةِ وَكَانَ الْمُوَاسِي وَالْمُوَاسَى جَمِيعًا مِنَ الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ بل نزيد عليه ونقول مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً صَالِحَةً لِيَتَحَصَّنَ بِهَا عَنْ وسواس الشيطان يصون بها دينه أو ليولد منها له ولد صالح يدعو له وأحب زَوْجَتَهُ لِأَنَّهَا آلَةٌ إِلَى هَذِهِ الْمَقَاصِدِ الدِّينِيَّةِ فهو محب في الله
ولذلك وردت الأخبار بوفور الأجر والثواب على الإنفاق على العيال حتى اللقمة يضعها الرجل في في امرأته (1)
بل نقول كل من استهتر بحب الله وحب رضاه وحب لقائه في الدار الآخرة فإذا أحب غيره كان محباً في الله لأنه لا يتصور أن يحب شيئاً إلا لمناسبته لما هو محبوب عنده وهو رضا الله عز وجل بل أزيد على هذا وأقول إذا اجتمع في قبله محبتان محبة الله ومحبة الدنيا واجتمع في شخص واحد لمعنيان جميعاً حتى صلح لأن يت وسل به إلى الله وإلى الدنيا فإذا أحبه لصلاحه للأمرين فهو من المحيين في الله كمن يحب أستاذه الذي يُعَلِّمُهُ الدِّينَ وَيَكْفِيهِ مُهِمَّاتِ الدُّنْيَا بِالْمُوَاسَاةِ فِي المال فأحبه من حيث إن في طبعه طلب الراحة في الدنيا
(1) حديث الأجر في الإنفاق على العيال حتى القمة يضعها الرجل في في امرأته تقدم
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 163