نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 155
القسم الثاني ما يقصد به في العاجل غرض معين كالفقير يهدي إلى الغني طعما في خلعته فهذه هبة بشرط الثواب لا يخفى حكمها وإنما تحل عند الوفاء بالثواب المطموع فيه وعند وجود شروط العقود
الثالث أن يكون المراد إعانة بفعل معين كالمحتاج إلى السلطان يهدي إلى وكيل السلطان وخاصته ومن له مكانة عنده فهذه هدية بشرط ثواب يعرف بقرينة الحال فلينظر في ذلك العمل الذي هو الثواب فإن كان حراماً كالسعي في تنجيز إدرار حرام أو ظلم إنسان أو غيره حرم الأخذ وإن كان واجباً كدفع ظلم متعين على كل من يقدر عليه أو شهادة متعينة فيحرم عليه ما يأخذه وهي الرشوة التي لا يشك في تحريمها وإن كان مباحاً لا واجباً ولا حراماً وكان فيه تعب بحيث لو عرف لجاز الاستئجار عليه فما يأخذه حلال معها وفي الغرض وهو جار مجرى الجعالة كقوله أوصل هذه القصة إلى يد فلان أو يد السلطان ولك دينار وكان بحيث يحتاج إلى تعب وعمل متقوم أو قال اقترح على فلان أن يعينني في غرض كذا أو ينعم علي بكذا وافتقر في تنجيز غرضه إلى كلام طويل فذلك جعل كما يأخذه الوكيل بالخصومة بين يدي القاضي فليس بحرام إذا كان لا يسعى في حرام وان كان مقصود يحصل بكلمة لا تعب فيها ولكن تلك الكلمة من ذي الجاه أو تلك الفعلة من ذي الجاه تفيد كقوله للبواب لا تغلق دونه باب السلطان أو كوضعه قصة بين يدي السلطان فقط فهذا حرام لأنه عوض من الجاه ولم يثبت في الشرع جواز ذلك بل ثبت ما يدل على النهي عنه كما سيأتي في هدايا الملوك وإذا كان لا يجوز العوض عن إسقاط الشفعة والرد بالعيب ودخول الأغصان في هواه الملك وجملة من الأعراض مع كونها مقصودة فكيف يؤخذ عن الجاه ويقرب من هذا أخذ الطبيب العوض على كلمة واحدة ينبه بها على دواء ينفرد بمعرفته كواحد ينفرد بالعلم بنبت يقلع البواسير أو غيره فلا يذكره إلا بعوض فإن عمله بالتلفظ غير متقوم كحبة من سمسم فلا يجوز أخذ العوض عليه ولا على علمه
إذ ليس ينتقل علمه إلى غيره وإنما يحصل لغيره مثل علمه ويبقى هو عالماً به ودون هذا الحاذق في الصناعة كالصيقلي مثلاً الذي يزيل اعوجاج السيف أو المرآة بدقة واحدة لحسن معرفته بموضع الخلل ولحذقه بإصابته فقد يزيد بدقة واحدة مال كثير في قيمة السيف والمرآة فهذا لا أرى بأساً بأخذ الأجرة عليه لأن مثل هذه الصناعات يتعب الرجل في تعلمها ليكتسب بها ويخفف عن نفسه كثرة العمل
الرابع ما يقصد به المحبة وجلبها من قبل المهدي إليه لا لغرض معين ولكن طلباً للاستئناس وتأكيد للصحبة وتودداً إلى القلوب فذلك مقصود للعقلاء ومندوب إليه في الشرع قال صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا // حديث تهادوا تحابوا أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة وضعفه ابن عدي
وعلى الجملة فلا يقصد الإنسان في الغالب أيضاً محبة غيره لعين المحبة بل لفائدة في محبته ولكن إذا لم تتعين تلك الفائدة ولم يتمثل في نفسه غرض معين يبعثه في الحال أو المآل سمي ذلك هدية وحل أخذها
الخامس أن يطلب التقرب إلى قلبه وتحصيل محبته لا لمحبته ولا للأنس به من حيث إنه أنس فقط بل ليتوصل بجاهه إلى أغراض له ينحصر جنسها وإن لم ينحصر عينها وكان لولا جاهه وحشمته لكان لا يهدي إليه فإن كان جاهه لأجل علم أو نسب فالأمر فيه أخف وأخذه مكروه فإن فيه مشابهة الرشوة ولكنها هدية في ظاهرها فإن كان جاهه بولاية تولاها من قضاء أو عمل أو ولاية صدقة أو جباية مال أو غيره من الأعمال السلطانية حتى ولاية الأوقاف مثلاً وكان لولا تلك الولاية لكان لا يهدي إليه فهذه رشوة عرضت في معرض الهدية إذ القصد
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 2 صفحه : 155