نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 291
يوافق غرضه ويرجح ذلك الجانب برأيه وهواه فيكون قد فسر برأيه أي رأيه هو الذي حمله على ذلك التفسير ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه وتارة قد يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلاً من القرآن ويستدل عليه مما يعلم أنه ما أريد به كمن يدعو إلى الاستغفار بالأسحار فيستدل بقوله صلى الله عليه وسلم تسحروا فإن في السحور بركة [1] ويزعم أن المراد به التسحر بالذكر وهو يعلم أن المراد به الأكل وكالذي يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول قال الله عز وجل اذهب إلى فرعون إنه طغى ويشير إلى قلبه ويومئ إلى أنه المراد بفرعون وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة تحسيناً للكلام وترغيباً للمستمع وهو ممنوع وقد تستعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس ودعوتهم إلى مذهبهم الباطل فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعاً أنها غير مرادة به فهذه الفنون أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي ويكون المراد بالرأي الرأي الفاسد الموافق للهوى دون الاجتهاد الصحيح والرأي يتناول الصحيح والفاسد والموافق للهوى قد يخصص باسم الرأي
والوجه الثاني أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة وما فيه من الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير فمن لم يحكم بظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه ودخل في زمرة من يفسر بالرأي
فالنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولا ليتقي به مواضع الغلط ثم بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط والغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة ونحن نرمز إلى جمل منها ليستدل بها على أمثالها ويعلم أنه لا يجوز التهاون بحفظ التفسير الظاهر أولاً ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر
ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن يدعي البلوغ إلى صدر البيت قبل مجاوزة الباب أو يدعي فهم مقاصد الأتراك من كلامهم وهو لا يفهم لغة الترك فإن ظاهر التفسير يجري مجرى تعليم اللغة التي لا بد منها للفهم وما لا بد فيه من السماع فنون كثيرة منها الإيجار بالحذف والإضمار كقوله تعالى وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها معناه آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها فالناظر إلى ظاهر العربية يظن أن المراد به أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء ولم يدر أنهم بماذا ظلموا غيرهم أو أنفسهم وقوله تعالى وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم أي حب العجل فحذف الحب وقوله عز وجل إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات أي ضعف عذاب الأحياء وضعف عذاب الموتى فحذف العذاب وأبدل الأحياء والموتى بذكر الحياة والموت وكل ذلك جائز في فصيح اللغة
وقوله تعالى واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها أي أهل العير فالأهل فيهما محذوف مضمر وقوله عز وجل ثقلت في السموات والأرض معناه خفيت على أهل السموات والأرض والشيء إذا خفي ثقل فأبدل اللفظ به وأقيم في مقام على وأضمر الأهل وحذف
وقوله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون أي شكر رزقكم وقوله عز وجل وآتنا ما وعدتنا على رسلك أي على ألسنة رسلك فحذف ألسنة وقوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر أراد القرآن وما سبق له ذكر
وقال عز وجل حتى توارت الحجاب أراد الشمس وما سبق لها ذكر وقوله تعالى والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى أي يقولون ما نعبدهم
وقوله عز وجل فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك معناه لا يفقهون حديثاً يقولون ما أصابك من حسنة فمن الله فإن لم يرد هذا كان مناقضاً لقوله قل كل من عند الله وسبق إلى الفهم منه مذهب القدرية ومنها المنقول المنقلب كقوله تعالى وطور سينين أي طور [1] حديث تسحروا فإن في السحور بركة تقدم في الباب الثالث من العلم
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 291