responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 257
الحنان تود لَو ان كل مَا يؤلمك بجسمها وانه لم يطرقك مِنْهُ شَيْء وان حَيَاتهَا تزاد فِي حياتك فَمن الَّذِي وضع ذَلِك فِي قَلبهَا حَتَّى إِذا قوى بدنك واتسعت امعاؤك وخشنت عظامك واحتجت الى غذَاء اصلب من غذائك ليشتد بِهِ عظمك ويقوى عَلَيْهِ لحمك وضع فِي فِيك آله الْقطع والطحن فنصب لَك أسنانا تقطع بهَا الطَّعَام وطواحين تطحنه بهَا فَمن الَّذِي حَبسهَا عَنْك ايام رضاعك رَحْمَة بأمك لطفا بهَا ثمَّ اعطاكها ايام اكلك رَحْمَة بك وأحسانا اليك ولطفا بك فَلَو انك خرجت من الْبَطن ذَا سنّ وناب وناجذ وضرس كَيفَ كَانَ حَال امك بك وَلَو انك منعتها وَقت الْحَاجة اليها كَيفَ كَانَ حالك بِهَذِهِ الاطعمة الَّتِي لَا تسيغها الا بعد تقطيعها وطحنها وَكلما ازددت قُوَّة وحاجة الى الاسنان فِي اكل المطاعم الْمُخْتَلفَة زيد لَك فِي تِلْكَ الالات حَتَّى تَنْتَهِي الى النواجذ فتطيق نهش اللَّحْم وَقطع الْخبز وَكسر الصلب ثمَّ إِذا ازددت قُوَّة زيد لَك فِيهَا حَتَّى تَنْتَهِي الى الطواحين الَّتِي هِيَ آخر الاضراس فَمن الَّذِي ساعدك بِهَذِهِ الالات وانجدك بهَا ومكنك بهَا من ضروب الْغذَاء ثمَّ انه اقْتَضَت حكمته ان اخرجك من بطن امك لَا تعلم شَيْئا بل غبيا لَا عقل وَلَا فهم وَلَا علم وَذَلِكَ من رَحمته بك فَإنَّك على ضعفك لَا تحْتَمل الْعقل والفهم والمعرفة بل كنت تتمزق وتتصدع بل جعل ذَلِك ينْتَقل فِيك بالتدريح شَيْئا فَشَيْئًا فَلَا يصادفك ذَلِك وهلة وَاحِدَة بل يصادفك يَسِيرا يَسِيرا حَتَّى يتكامل فِيك وَاعْتبر ذَلِك بِأَن الطِّفْل إِذا سبي صَغِيرا من بَلَده وَمن بَين ابويه وَلَا عقل لَهُ فَإِنَّهُ لَا يؤلمه ذَلِك علما كَانَ اقْربْ الى الْعقل كَانَ اشق عَلَيْهِ واصعب حَتَّى إِذا كَانَ عَاقِلا فلاتراه إِلَّا كالواله الحيران ثمَّ لَو ولدت عَاقِلا فهيما كحالك فِي كبرك تنغصت عَلَيْك حياتك اعظم تنغيص وتنكدت اعظم تنكيد لانك ترى نَفسك مَحْمُولا رضيعا معصبا بالخرق مربطا بالقمط مسجونا فِي المهد عَاجِزا ضَعِيفا عَمَّا يحاوله الْكَبِير فَكيف كَانَ يكون عيشك مَعَ تعلقك التَّام فِي هَذِه الْحَالة ثمَّ لم يكن يُوجد لَك من الْحَلَاوَة واللطافة والوقع فِي الْقلب وَالرَّحْمَة بك مَا يُوجد للمولود الطِّفْل بل تكون انكد خلق الله واثقلهم واعنتهم واكثرهم فضولا وَكَانَ دخولك هَذَا الْعَالم وانت غبي لَا تعقل شَيْئا وَلَا تعلم مَا فِيهِ اهله مَحْض الْحِكْمَة وَالرَّحْمَة بك وَالتَّدْبِير فَتلقى الاشياء بذهن ضَعِيف وَمَعْرِفَة نَاقِصَة ثمَّ لَا يزَال يتزايد فِيك الْعقل والمعرفة شَيْئا فَشَيْئًا حَتَّى تَالِف الاشياء وتتمرن عَلَيْهَا وَتخرج من التَّأَمُّل لَهَا والحيرة فِيهَا وتستقبلها بِحسن التَّصَرُّف فِيهَا وَالتَّدْبِير لَهَا والاتقان لَهَا وَفِي ذَلِك وُجُوه أخر من الْحِكْمَة غير مَا ذَكرْنَاهُ فَمن هَذَا الَّذِي هُوَ قيم عَلَيْك بالمرصاد يرصدك حَتَّى يوافيك بِكُل شَيْء من الْمَنَافِع والاراب والالات فِي وَقت حَاجَتك لَا يقدمهَا عَن وَقتهَا وَلَا يؤخرها عَنهُ ثمَّ انه اعطاك الاظفار

نام کتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 257
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست