responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 238
وَلَو جعل فِي اسفل بَطنهَا كَمَا جعل للْمَرْأَة لم يتَمَكَّن الْفَحْل من ضرابها الا على الْوَجْه الَّذِي تجامع بِهِ الْمَرْأَة وَقد ذكر فِي كتب الْحَيَوَان ان فروج الفيلة فِي اسفل بَطنهَا فَإِذا كَانَ وَقت الضراب ارْتَفع ونشز وبرز للفحل فيتمكن من ضرابها فَلَمَّا جعل فِي الفيلة على خلاف مَا هُوَ فِي سَائِر الْبَهَائِم خصت بِهَذِهِ الخاصية عَنْهَا ليتهيأ الامر الَّذِي بِهِ دوَام النَّسْل
فصل ثمَّ تَأمل كَيفَ كُسِيت اجسام الْحَيَوَان البهيمي هَذِه الْكسْوَة من الشّعْر
والوبر وَالصُّوف وكسيت الطُّيُور الريش وكسى بعض الدَّوَابّ من الْجلد مَا هُوَ فِي غَايَة الصلابة وَالْقُوَّة كالسلحفاة وَبَعضهَا من الريش مَا هُوَ كالاسنة كل ذَلِك بِحَسب حاجاتها الى الْوِقَايَة من الْحر وَالْبرد والعدو الَّذِي يُرِيد اذاها فانها لما لم يكن لَهَا سَبِيل الى اتِّخَاذ الملابس واصطناع الْكسْوَة والات الْحَرْب اعينت بملابس وَكِسْوَة لَا تفارقها وآلات وأسلحة تدفع بهَا عَن نَفسهَا وأعينت باظلاف واخفاف وحوافر لما عدمت الاحذية وَالنعال فمعها حذاؤها وسقاؤها وَخص الْفرس والبغل وَالْحمار بالحوافر لما خلق للركض والشد والجرى وَجعل لَهَا ذَلِك ايضا سِلَاحا عِنْد انتصافها من خصمها عوضا عَن الصَّيَاصِي والمخالب والانياب والبرائن فَتَأمل هَذَا اللطف وَالْحكمَة فَإِنَّهَا لما كَانَت بهائم خرصا لَا عقول لَهَا وَلَا أكف وَلَا اصابع مهيأة للِانْتِفَاع والدفاع ولاحظ لَهَا فِيمَا يتَصَرَّف فِيهِ الادميون من النسج والغزل ولطف الْحِيلَة جعلت كسوتها من خلقتها بَاقِيَة عَلَيْهَا مَا بقيت لَا تحْتَاج الى الِاسْتِبْدَال بهَا وَأعْطيت آلَات واسلحة تحفظ بهَا انفسها كل ذَلِك لتتم الْحِكْمَة الَّتِي اريدت بهَا وَمِنْهَا وَأما الانسان فَإِنَّهُ ذُو حِيلَة وكف مهيئة للْعَمَل فَهِيَ تغزل وتنسج ويتخذ لنَفسِهِ الْكسْوَة ويستبدل بهَا حَالا بعد حَال وَله فِي ذَلِك صَلَاح من جِهَات عديدة مِنْهَا ان يستريح إِذا خلع كسوته إِذا شَاءَ ويلبسها إِذا شَاءَ لَيْسَ كالمضطر الى حمل كسْوَة وَمِنْهَا انه يتَّخذ لنَفسِهِ ضروبا من الْكسْوَة للصيف وضروبا للشتاء فَإِن كسْوَة الصَّيف لاتليق بالشتاء وَكِسْوَة الشتَاء لَا تلِيق بالصيف فيتخذ لنَفسِهِ فِي كل فصل كسْوَة مُوَافقَة وَمِنْهَا انه يَجْعَلهَا تَابِعَة لشهوته وإرادته وَمِنْهَا انه يتلذذ بأنواع الملابس كَمَا يتلذذ بأنواع المطاعم فَجعلت كسوته متنوعة تَابِعَة لاختياره كَمَا جعلت مطاعمه كَذَلِك فَهُوَ يكتسى مَا يَشَاء من انواع الملابس المتخذة من النَّبَات تَارَة كالقطن والكتان وَمن الْحَيَوَان تَارَة كالوبر وَالصُّوف وَالشعر وَمن الدُّود تَارَة كالحرير والابريسم وَمن الْمَعَادِن تَارَة كالذهب وَالْفِضَّة فَجعلت كسوته متنوعة لتتم لذته وسروره وابتهاجه وزينته بهَا وَلذَلِك كَانَت كسْوَة اهل الْجنَّة مُنْفَصِلَة عَنْهُم كَمَا هِيَ فِي الدُّنْيَا لَيست مخلوقة من اجسامهم كالحيوان فَدلَّ على ان ذَلِك اكمل واجل وأبلغ فِي النِّعْمَة وَمِنْهَا إِرَادَة تَمْيِيزه عَن الْحَيَوَان فِي ملبسه كَمَا

نام کتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 238
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست