responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 213
تَوْحِيد الاية فَلِأَن مَوضِع الدّلَالَة وَاحِد وَهُوَ المَاء الَّذِي انزله من السَّمَاء فَاخْرُج بِهِ كلما ذكره من الارض وَهُوَ على اخْتِلَاف انواعه لقاحه وَاحِد وَأمه وَاحِدَة فَهَذَا نوع وَاحِد من آيَاته وَأما تَخْصِيصه ذَلِك بِأَهْل الْفِكر فَلِأَن هَذِه الْمَخْلُوقَات الَّتِي ذكرهَا من المَاء مَوضِع فكر وَهُوَ نظر الْقلب وتامله لَا مَوضِع نظر مُجَرّد بِالْعينِ فَلَا ينْتَفع النَّاظر بِمُجَرَّد رُؤْيَة الْعين حَتَّى ينْتَقل مِنْهُ الى نظر الْقلب فِي حِكْمَة ذَلِك وبديع صنعه وَالِاسْتِدْلَال بِهِ على خالقه وباريه وَذَلِكَ هُوَ الْفِكر بِعَيْنِه واما قَوْله تَعَالَى فِي الاية الَّتِي بعْدهَا ان فِي ذَلِك لايات لقوم يعْقلُونَ فَجمع الايات لانها تَضَمَّنت اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَهِي آيَات مُتعَدِّدَة مُخْتَلفَة فِي انفسها وخلقها وكيفياتها فَإِن إظلام الجو لغروب الشَّمْس ومجيء اللَّيْل الَّذِي يلبس الْعَالم كَالثَّوْبِ ويسكنون تَحْتَهُ آيَة باهرة ثمَّ ورد جَيش الضياء يقدمهُ بشير الصَّباح فينهزم عَسْكَر الظلام وينتشر الْحَيَوَان وينكشط ذَلِك اللبَاس بجملته آيَة اخرى ثمَّ فِي الشَّمْس الَّتِي هِيَ آيَة النَّهَار آيَة أُخْرَى وَفِي الْقَمَر الَّذِي هُوَ آيَة اللَّيْل آيَة اخرى وَفِي النُّجُوم آيَات أخر كَمَا قدمْنَاهُ هَذَا مَعَ مَا يتبعهَا من الايات الْمُقَارنَة لَهَا من الرِّيَاح واختلافها وَسَائِر مَا يحدثه الله بِسَبَبِهَا آيَات أخر فالموضع مَوضِع جمع وَخص هَذِه الايات بِأَهْل الْعقل لانها اعظم مِمَّا قبلهَا وأدل وأكبر والاولى كالباب لهَذِهِ فَمن اسْتدلَّ بِهَذِهِ الايات واعطاها حَقّهَا من الدّلَالَة اسْتحق من الْوَصْف مَا يسْتَحقّهُ صَاحب الْفِكر وَهُوَ الْعقل وَلِأَن منزله الْمنزلَة الْعقل بعد منزلَة الْفِكر فَلَمَّا دلهم بالاية الاولى على الْفِكر نقلهم بالاية الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ اعظم مِنْهَا الى الْعقل الَّذِي هُوَ فَوق الْفِكر فَتَأَمّله فَأَما قَوْله فِي الاية الثَّالِثَة {إِن فِي ذَلِك لآيَة لقوم يذكرُونَ} فَوحد الاية وخصها بِأَهْل التَّذَكُّر فَأَما توحيدها فكتوحيد الاولى سَوَاء فَإِن مَا ذَرأ فِي الارض على اختلافه من الْجَوَاهِر والنبات والمعادن وَالْحَيَوَان كُله فِي مَحل وَاحِد فَهُوَ نوع من انواع آيَاته وَإِن تعدّدت أصنافه وانواعه واما تَخْصِيصه اياها بِأَهْل التَّذَكُّر فطريقة الْقُرْآن فِي ذَلِك ان يَجْعَل آيَاته للتبصر والتذكر كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة ق {وَالْأَرْض مددناها وألقينا فِيهَا رواسي وأنبتنا فِيهَا من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} فالتبصرة التعقل والتذكرة التَّذَكُّر والفكر بَاب ذَلِك ومدخله فَإِذا فكر تبصر وَإِذا تبصر تذكر فجَاء التَّذْكِير فِي الاية لترتيبه على الْعقل الْمُرَتّب على الْفِكر فَقدم الْفِكر إِذْ هُوَ الْبَاب والمدخل ووسط الْعقل إِذْ هُوَ ثَمَرَة الْفِكر ونتيجته وَأخر التَّذَكُّر إِذْ هُوَ الْمَطْلُوب من الْفِكر وَالْعقل فَتَأمل ذَلِك حق التَّأَمُّل فَإِن قلت فَمَا الْفرق بَين التَّذَكُّر والتفكر فَإِذا تبين الْفرق ظَهرت الْفَائِدَة قلت التفكر والتذكر اصل الْهدى والفلاح وهما قطبا السَّعَادَة وَلِهَذَا وسعنا الْكَلَام فِي التفكر فِي هَذَا الْوَجْه لعظم الْمَنْفَعَة وَشدَّة الْحَاجة اليه قَالَ الْحسن مَا زَالَ اهل الْعلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التَّذَكُّر ويناطقون الْقُلُوب حَتَّى نطقت فَإِذا لَهَا اسماع وابصار فَاعْلَم ان التفكر طلب الْقلب مَا لَيْسَ بحاصل من الْعُلُوم من امْر هُوَ حَاصِل

نام کتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 213
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست