responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 138
وَمن تَأمل احوال ائمة الاسلام كأئمة الحَدِيث وَالْفِقْه كَيفَ هم تَحت التُّرَاب وهم فِي الْعَالمين كانهم احياء بَينهم لم يفقدوا مِنْهُم الا صورهم والا فَذكرهمْ وحديثهم وَالثنَاء عَلَيْهِم غير مُنْقَطع وَهَذِه هِيَ الْحَيَاة حَقًا حَتَّى عد ذَلِك حَيَاة ثَانِيَة كَمَا قَالَ المتنبي
ذكر الْفَتى عيشه الثَّانِي وَحَاجته ... مَا فَاتَهُ وفضول الْعَيْش اشغال
قَوْله وصنيعة المَال تَزُول بزواله يَعْنِي ان كل صَنِيعَة صنعت للرجل من اجل مَاله من إكرام ومحبة وخدمة وَقَضَاء حوائج وَتَقْدِيم واحترام وتولية وَغير ذَلِك فَإِنَّهَا إِنَّمَا هِيَ مُرَاعَاة لما لَهُ فَإِذا زَالَ مَاله وفارقه زَالَت تِلْكَ الضائع كلهَا حَتَّى إِنَّه رُبمَا لَا يسلم عَلَيْهِ من كَانَ يدأب فِي خدمته وَيسْعَى فِي مَصَالِحه وَقد اكثر النَّاس من هَذَا الْمَعْنى فِي اشعارهم وَكَلَامهم وَفِي مثل قَوْلهم من ودك لأمر ملك عِنْد انقضائه قَالَ بعض الْعَرَب
وَمن هَذَا مَا قيل إِذا اكرمك النَّاس لمَال اَوْ سُلْطَان فَلَا يعجبنك ذَلِك فَإِن زَوَال الْكَرَامَة يزوالهما وَلَكِن ليعجبك ان اكرموك لعلم اَوْ دين وَهَذَا امْر لَا يُنكر فِي النَّاس حَتَّى انهم ليكرمون الرجل لثيابه فَإِذا نَزعهَا لم ير مِنْهُم تِلْكَ الْكَرَامَة وَهُوَ هُوَ قَالَ مَالك بَلغنِي ان أَبَا هُرَيْرَة دعى الى وَلِيمَة فَأتى فحجب فَرجع فَلبس غير تِلْكَ الثِّيَاب فَادْخُلْ فَلَمَّا وضع الطَّعَام ادخل كمه فِي الطَّعَام فعوتب فِي ذَلِك فَقَالَ إِن هَذِه الثباب هِيَ الَّتِي ادخلت فَهِيَ تَأْكُل حَكَاهُ ابْن مزين الطليطلي فِي كِتَابه وَهَذَا بِخِلَاف صَنِيعَة الْعلم فانها لَا تَزُول ابدا بل كل مآلها فِي زِيَادَة مالم يسلب ذَلِك الْعَالم علمه وضيعه الْعلم وَالدّين اعظم من صَنِيعَة المَال لانها تكون بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان والجوارح فَهِيَ صادرة عَن حب وإكرام لاجل مَا أودعهُ الله تَعَالَى أَيَّاهُ من علمه وفضله بِهِ على غَيره وايضا فصنيعة الْعلم تَابِعَة لنَفس الْعَالم وذاته وصنيعة المَال تَابِعَة لمَاله الْمُنْفَصِل عَنهُ وايضا فصنيعة المَال صَنِيعَة مُعَاوضَة وصنيعه الْعلم وَالدّين صَنِيعَة حب وتقرب وديانة وايضا فصنيعه المَال تكون مَعَ الْبر والفاجر وَالْمُؤمن وَالْكَافِر واما صَنِيعَة الْعلم وَالدّين فَلَا تكون الا مَعَ اهل ذَلِك وَقد يُرَاد من هَذَا ايضا معنى آخر وَهُوَ ان من اصطنعت عِنْده صَنِيعَة بِمَالك إِذا زَالَ ذَلِك المَال وفارقه عدمت صنيعتك عِنْده واما من اصطنعت اليه صَنِيعَة علم وَهدى فَإِن تِلْكَ الصنيعة لَا تُفَارِقهُ ابدا بل ترى فِي كل وَقت كَأَنَّك اسديتها اليه حِينَئِذٍ قَوْله مَاتَ خزان الاموال وهم احياء تقدم بَيَانه وَكَذَا قَوْله وَالْعُلَمَاء باقون مَا بَقِي الدَّهْر وَقَوله اعيانهم مفقودة وامثالهم فِي الْقُلُوب مَوْجُودَة المُرَاد بامثالهم صورهم العلمية ووجودهم المثالي أَي وان فقدت ذواتهم فصورهم وامثالهم فِي الْقُلُوب لَا تفارقها وَهَذَا هُوَ الْوُجُود الذهْنِي العلمي لَان محبَّة النَّاس لَهُم واقتداءهم بهم وانتفاعهم بعلومهم

نام کتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 138
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست