responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 94
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7] الْآيَةَ.
فَكُلُّ خَيْرٍ فِي الْعَبْدِ فَهُوَ مُجَرَّدُ فَضْلِ اللَّهِ وَمِنَّتِهِ، وَإِحْسَانِهِ وَنِعْمَتِهِ. وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ. فَرُؤْيَةُ الْعَبْدِ لِأَعْمَالِهِ فِي الْحَقِيقَةِ، كَرُؤْيَتِهِ لِصِفَاتِهِ الْخِلْقِيَّةِ: مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَإِدْرَاكِهِ وَقُوَّتِهِ، بَلْ مِنْ صِحَّتِهِ، وَسَلَامَةِ أَعْضَائِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالْكُلُّ مُجَرَّدُ عَطَاءِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ وَفَضْلِهِ.
فَالَّذِي يُخَلِّصُ الْعَبْدَ مِنْ هَذِهِ الْآفَةِ: مَعْرِفَةُ رَبِّهِ، وَمَعْرِفَةُ نَفْسِهِ.
وَالَّذِي يُخَلِّصُهُ مِنْ طَلَبِ الْعِوَضِ عَلَى الْعَمَلِ: عِلْمُهُ بِأَنَّهُ عَبْدٌ مَحْضٌ. وَالْعَبْدُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى خِدْمَتِهِ لِسَيِّدِهِ عِوَضًا وَلَا أُجْرَةً؛ إِذْ هُوَ يَخْدِمُهُ بِمُقْتَضَى عُبُودِيَّتِهِ. فَمَا يَنَالُهُ مِنْ سَيِّدِهِ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ تَفَضُّلٌ مِنْهُ، وَإِحْسَانٌ إِلَيْهِ، وَإِنْعَامٌ عَلَيْهِ، لَا مُعَارَضَةٌ؛ إِذِ الْأُجْرَةُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا الْحُرُّ، أَوْ عَبْدُ الْغَيْرِ. فَأَمَّا عَبْدُ نَفْسِهِ فَلَا.
وَالَّذِي يُخَلِّصُهُ مِنْ رِضَاهُ بِعَمَلِهِ وَسُكُونِهِ إِلَيْهِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: مُطَالَعَةُ عُيُوبِهِ وَآفَاتِهِ، وَتَقْصِيرِهِ فِيهِ، وَمَا فِيهِ مِنْ حَظِّ النَّفْسِ، وَنَصِيبِ الشَّيْطَانِ. فَقَلَّ عَمَلٌ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَصِيبٌ، وَإِنْ قَلَّ. وَلِلنَّفْسِ فِيهِ حَظٌّ.
«سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي صَلَاتِهِ؟ فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» .
فَإِذَا كَانَ هَذَا الْتِفَاتَ طَرْفِهِ أَوْ لَحْظِهِ؛ فَكَيْفَ الْتِفَاتُ قَلْبِهِ إِلَى مَا سِوَى اللَّهِ؟ هَذَا أَعْظَمُ نَصِيبِ الشَّيْطَانِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ حَظًّا مِنْ صَلَاتِهِ، يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ. فَجَعَلَ هَذَا الْقَدْرَ الْيَسِيرَ النَّزْرِ حَظًّا وَنَصِيبًا لِلشَّيْطَانِ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ. فَمَا الظَّنُّ بِمَا فَوْقَهُ؟

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 94
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست