responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 72
وَأَمَّا الشُّهُودُ الثَّانِي فَلَا يُعْطَى صَاحِبُهُ مَعْرِفَةً وَلَا إِيمَانًا، وَلَا إِثْبَاتًا لِاسْمٍ وَلَا صِفَةٍ، وَلَا عُبُودِيَّةٍ نَافِعَةٍ. وَهُوَ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ. يَشْهَدُهُ كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِالصَّانِعِ، مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ. فَإِذَا اسْتَغْرَقَ فِي شُهُودِ أَزَلِيَّتِهِ، وَتَفَرُّدِهِ بِالْقِدَمِ، وَغَابَ عَنِ الْكَائِنَاتِ، اتَّصَلَ فِي شُهُودِهِ الْأَزَلُ بِالْأَبَدِ. فَأَيُّ كَبِيرِ أَمْرٍ فِي هَذَا؟ وَأَيُّ إِيمَانٍ وَيَقِينٍ يَحْصُلُ بِهِ؟ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ ذَوْقَهُ، وَلَا نَقْدَحُ فِي وُجُودِهِ؛ وَإِنَّمَا نَقْدَحُ فِي مَرْتَبَتِهِ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْمُرَاقَبَةِ، بِحَيْثُ يَكُونُ لِخَاصَّةِ الْخَاصَّةِ. وَمَا قَبْلَهُ لِمَنْ هُمْ دُونَهُمْ. فَهَذَا عَيْنُ الْوَهْمِ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
فَإِذَا اتَّصَلَ فِي شُهُودِ الشَّاهِدِ الْأَزَلُ الَّذِي لَا بِدَايَةَ لَهُ، بِالْأَزْمِنَةِ الَّتِي يُعْقَلُ لَهَا بِدَايَةٌ - وَهِيَ أَزْمِنَةُ الْحَوَادِثِ - ثُمَّ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، بِحَيْثُ صَارَتِ الْأَزْمِنَةُ الثَّلَاثَةُ وَاحِدًا. لَا مَاضِيَ فِيهِ، وَلَا حَاضِرَ، وَلَا مُسْتَقْبَلَ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا شَهِدَ فَنَاءَ الْحَوَادِثِ فَنَاءً مُطْلَقًا، وَعَدَمَهَا عَدْمًا كُلِّيًّا. وَذَلِكَ تَقْدِيرٌ وَهْمِيٌّ مُخَالِفٌ لِلْوَاقِعِ. وَهُوَ تَجْرِيدٌ خَيَالِيٌّ، يُوقِعُ صَاحِبَهُ فِي بَحْرٍ طَامِسٍ لَا سَاحِلَ لَهُ، وَلَيْلٍ دَامِسٍ لَا فَجْرَ لَهُ.
فَأَيْنَ هَذَا مِنْ مَشْهَدِ تَنَوُّعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ؟ وَتَعَلُّقِهَا بِأَنْوَاعِ الْكَائِنَاتِ، وَارْتِبَاطِهَا بِجَمِيعِ الْحَادِثَاتِ؟ وَإِعْطَاءِ كُلِّ اسْمٍ مِنْهَا وَصِفَةٍ حَقَّهَا مِنَ الشُّهُودِ وَالْعُبُودِيَّةِ؟ وَالنَّظَرِ إِلَى سَرَيَانِ آثَارِهَا فِي الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَالْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، وَالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَدَارِ الدُّنْيَا وَدَارِ الْآخِرَةِ؟ وَقِيَامُهُ بِالْفَرْقِ وَالْجَمْعِ فِي ذَلِكَ عِلْمًا وَمَعْرِفَةً وَحَالًا؟ ! وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
قَوْلُهُ: وَمُرَاقَبَةُ الْإِخْلَاصِ مِنْ وَرْطَةِ الْمُرَاقَبَةِ.
يُشِيرُ إِلَى فَنَاءِ شُهُودِ الْمُرَاقِبِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَا مِنْهَا. وَأَنَّهُ يَفْنَى بِمَنْ يُرَاقِبُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَا مِنْهَا. فَإِذَا كَانَ بَاقِيًا بِشُهُودِ مُرَاقَبَتِهِ: فَهُوَ فِي وَرْطَتِهَا لَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْهَا؛ لِأَنَّ شُهُودَ الْمُرَاقَبَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ بَقَائِهِ. وَالْمَقْصُودُ إِنَّمَا هُوَ الْفَنَاءُ وَالتَّخَلُّصُ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ صِفَاتِهَا وَمَا مِنْهَا.
وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ فَوْقَ هَذَا دَرَجَةً أَعْلَى مِنْهُ وَأَرْفَعَ، وَأَشْرَفَ. وَهِيَ مُرَاقَبَةُ مَوَاقِعِ رِضَا الرَّبِّ، وَمَسَاخِطِهِ فِي كُلِّ حَرَكَةٍ. وَالْفَنَاءِ عَمَّا يُسْخِطُهُ بِمَا يُحِبُّ، وَالتَّفَرُّقِ لَهُ وَبِهِ وَفِيهِ، نَاظِرًا إِلَى عَيْنِ جَمْعِ الْعُبُودِيَّةِ، فَانِيًا عَنْ مُرَادِهِ مِنْ رَبِّهِ - مَهْمَا عَلَا - بِمُرَادِ رَبِّهِ مِنْهُ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 72
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست