responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 60
وَالتَّقِيَّةُ الَّتِي تَصْحَبُ هَذَا التَّشَرُّفَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا التَّقِيَّةَ مِنْ إِظْهَارِ النَّاسِ عَلَى حَالِهِ، وَإِطْلَاعِهِمْ عَلَيْهَا، صِيَانَةً لَهَا وَغَيْرَةً عَلَيْهَا.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الْحَذَرَ مِنَ الْتِفَاتِهِ فِي شُهُودِهِ إِلَى مَا سِوَى حَضْرَةِ مَشْهُودِهِ. فَهِيَ تَتَّقِي ذَلِكَ الِالْتِفَاتَ وَتَحْذَرُهُ كُلَّ الْحَذَرِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الرَّغْبَةِ. وَهِيَ اللَّطِيفَةُ الْمُدْرِكَةُ الْمُرِيدَةُ الَّتِي قَدْ تَطَهَّرَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ. وَهِيَ الْهِمَّةُ النَّقِيَّةُ. وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا كَمَالُ الطَّهَارَةِ لَبَقِيَتْ عَلَيْهَا بَقِيَّةٌ مِنْهَا تَمْنَعُهَا مِنْ وُصُولِهَا إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الرِّعَايَةِ]
[حَقِيقَةُ الرِّعَايَةِ]
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الرِّعَايَةِ
وَمِنْ مَنَازِلِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الرِّعَايَةِ.
وَهِيَ مُرَاعَاةُ الْعِلْمِ وَحِفْظُهُ بِالْعَمَلِ. وَمُرَاعَاةُ الْعَمَلِ بِالْإِحْسَانِ وَالْإِخْلَاصِ. وَحِفْظُهُ مِنَ الْمُفْسِدَاتِ. وَمُرَاعَاةُ الْحَالِ بِالْمُوَافَقَةِ. وَحِفْظُهُ بِقَطْعِ التَّفْرِيقِ. فَالرِّعَايَةُ صِيَانَةٌ وَحِفْظٌ.
وَمَرَاتِبُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ ثَلَاثَةٌ: رِوَايَةٌ: وَهِيَ مُجَرَّدُ النَّقْلِ وَحَمْلِ الْمُرْوِيِّ. وَدِرَايَةٌ: وَهِيَ فَهْمُهُ وَتَعَقُّلُ مَعْنَاهُ. وَرِعَايَةٌ: وَهِيَ الْعَمَلُ بِمُوجِبِ مَا عَلِمَهُ وَمُقْتَضَاهُ.
فَالنَّقَلَةُ هَمَّتْهُمُ الرِّوَايَةُ. وَالْعُلَمَاءُ هَمَّتْهُمُ الدِّرَايَةُ. وَالْعَارِفُونَ هَمَّتْهُمُ الرِّعَايَةُ. وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ مَنْ لَمْ يَرْعَ مَا اخْتَارَهُ وَابْتَدَعَهُ مِنَ الرَّهْبَانِيَّةِ حَقَّ رِعَايَتِهِ. فَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27] .
" رَهْبَانِيَّةً " مَنْصُوبٌ بِ " ابْتَدَعُوهَا " عَلَى الِاشْتِغَالِ. إِمَّا بِنَفْسِ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ - عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ - وَإِمَّا بِمُقَدَّرٍ مَحْذُوفٍ مُفَسَّرٌ بِهَذَا الْمَذْكُورِ - عَلَى قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ - أَيْ: وَابْتَدَعُوا رَهْبَانِيَّةً. وَلَيْسَ مَنْصُوبًا بِوُقُوعِ الْجَعْلِ عَلَيْهِ.
فَالْوُقُوفُ التَّامُّ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَرَحْمَةً} [الحديد: 27] ثُمَّ يَبْتَدِئُ: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [الحديد: 27] أَيْ: لَمْ نَشْرَعْهَا لَهُمْ. بَلْ هُمُ ابْتَدَعُوهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ نَكْتُبْهَا عَلَيْهِمْ.
وَفِي نَصْبِ قَوْلِهِ: {إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد: 27] ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 60
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست