responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 476
اعْتَاضَ بِذِلَّتِهَا وَرُوحِهَا، وَنَعِيمِهَا عَنْ لَذَّةِ الْمَعْصِيَةِ. فَاسْتَرَاحَتْ بِهَا نَفْسُهُ. وَهَاجَ إِلَيْهَا قَلْبُهُ. وَوَجَدَ فِيهَا مِنَ الرُّوحِ وَالرَّاحَةِ وَاللَّذَّةِ مَا لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّذَّةِ الْجُسْمَانِيَّةِ النَّفْسَانِيَّةِ. فَصَارَتْ لَذَّتُهُ رُوحَانِيَّةً قَلْبِيَّةً. بَعْدَ أَنْ كَانَتْ جُسْمَانِيَّةً فَانْسَلَبَ مِنْهَا، وَحُبِسَ عَنْهَا وَخَلَّصَتْهُ. فَإِذَا تَأَلَّقَتْ بُرُوقُهَا قَالَ:
تَأَلَّقَ الْبَرْقُ نَجْدِيًّا فَقُلْتُ لَهُ: ... يَا أَيُّهَا الْبَرْقُ، إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ
وَإِذَا طَرَقَتْهُ طُيُوفُهَا الْخَيَالِيَّةُ فِي ظَلَامِ لَيْلِ الشَّهَوَاتِ، نَادَى لِسَانُ حَالِهِ، وَتَمَثَّلَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ:
طَرَقَتْكَ صَائِدَةُ الْقُلُوبِ وَلَيْسَ ذَا ... وَقْتَ الزِّيَارَةِ فَارْجِعِي بِسَلَامِ
فَإِذَا وَدَّعَتْهُ وَعَزَمَتْ عَلَى الرَّحِيلِ، وَوَعَدَتْهُ بِالْمُوَافَاةِ، بِقَوْلِ الْآخَرِ:
قَالَتْ - وَقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِهَا - ... مَاذَا تُرِيدُ؟ فَقُلْتُ: أَنْ لَا تَرْجِعِي
فَإِذَا بَاشَرَتْ هَذِهِ السَّكِينَةُ قَلْبَهُ سَكَّنَتْ خَوْفَهُ. وَهُوَ قَوْلُهُ: يَسْكُنُ إِلَيْهَا الْخَائِفُ، وَسَلَّتْ حُزْنَهُ؛ فَإِنَّهَا لَا حُزْنَ مَعَهَا. فَهِيَ سَلْوَةُ الْمَحْزُونِ. وَمُذْهِبَةُ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ. وَكَذَلِكَ تُذْهِبُ عَنْهُ وَخَمَ ضَجَرِهِ. وَتَبْعَثُ نَشْوَةَ الْعَزْمِ.
وَحَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُرْأَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ. وَبَيْنَ إِبَاءِ النَّفْسِ وَالِانْقِيَادِ إِلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ دَرَجَاتُ سَكِينَةِ الْوَقَارِ]
[الدَّرَجَةُ الْأُولَى سَكِينَةُ الْخُشُوعِ عِنْدَ الْقِيَامِ لِلْخِدْمَةِ]
فَصْلٌ
قَالَ وَأَمَّا سَكِينَةُ الْوَقَارِ، الَّتِي نَزَّلَهَا نَعْتًا لِأَرْبَابِهَا: فَإِنَّهَا ضِيَاءُ تِلْكَ السَّكِينَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: سَكِينَةُ الْخُشُوعِ عِنْدَ الْقِيَامِ لِلْخِدْمَةِ: رِعَايَةً، وَتَعْظِيمًا، وَحُضُورًا.
سَكِينَةُ الْوَقَارِ هِيَ نَوْعٌ مِنَ السَّكِينَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْوَقَارِ سَمَّاهَا الشَّيْخُ سَكِينَةَ الْوَقَارِ.
وَقَوْلُهُ: نَزَّلَهَا نَعْتًا يَعْنِي نَزَّلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِ أَهْلِهَا. وَنَعَتَهُمْ بِهَا.
وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهَا ضِيَاءُ تِلْكَ السَّكِينَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا
أَيْ نَتِيجَتُهَا وَثَمَرَتُهَا. وَعَنْهَا نَشَأَتْ. كَمَا أَنَّ الضِّيَاءَ عَنِ الشَّمْسِ حَصَلَ.
وَلَمَّا كَانَ النُّورُ وَالْحَيَاةُ وَالْقُوَّةُ - الَّتِي ذَكَرْنَاهَا - مِمَّا يُثْمِرُ الْوَقَارَ: جَعَلَ سَكِينَةَ الْوَقَارِ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 476
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست