responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 469
الْمُتَصَرِّفَ فِيهِ حَقًّا هُوَ مَالِكُهُ الْحَقُّ. فَهُوَ الَّذِي يُقِيمُهُ وَيُقْعِدُهُ، وَيُقَلِّبُهُ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ الْعِوَضَ مَنْ غَابَ عَنِ الْحُكْمِ وَذَهَلَ عَنْهُ. وَذَلِكَ مُنَافٍ لِتَعْظِيمِهِ. فَمِنْ تَعْظِيمِهِ: أَنْ لَا يَرْضَى الْعَبْدُ بِعِوَضٍ يَطْلُبُهُ بِعَمَلِهِ. لِأَنَّ مُشَاهَدَةَ الْحُكْمِ وَتَعْظِيمَهُ يَمْنَعُهُ أَنْ يَرَى لِنَفْسِهِ مَا يُعَاوِضُ عَلَيْهِ. فَهَذَا الَّذِي يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ تَعْظِيمُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ]
فَصْلٌ
قَالَ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: تَعْظِيمُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ. وَهُوَ أَنْ لَا يَجْعَلَ دُونَهُ سَبَبًا، وَلَا يَرَى عَلَيْهِ حَقًّا، أَوْ يُنَازِعَ لَهُ اخْتِيَارًا.
هَذِهِ الدَّرَجَةُ تَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ الْحَاكِمِ سُبْحَانَهُ، صَاحِبِ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَالَّتِي قَبْلَهَا تَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ قَضَائِهِ لَا مَقْضِّيهِ، وَالْأُولَى: تَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ أَمْرِهِ.
وَذَكَرَ مِنْ تَعْظِيمِهِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنْ لَا تَجْعَلَ دُونَهُ سَبَبًا
أَيْ لَا تَجْعَلَ لِلْوَصْلَةِ إِلَيْهِ سَبَبًا غَيْرَهُ. بَلْ هُوَ الَّذِي يُوصِّلُ عَبْدَهُ إِلَيْهِ، فَلَا يُوصِّلُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يُقَرِّبُ إِلَيْهِ سِوَاهُ. وَلَا يُدْنِي إِلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى رِضَاهُ إِلَّا بِهِ. فَمَا دَلَّ عَلَى اللَّهِ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا هَدَى إِلَيْهِ سِوَاهُ. وَلَا أَدْنَى إِلَيْهِ غَيْرُهُ. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ السَّبَبَ سَبَبًا. فَالسَّبَبُ وَسَبَبِيَّتُهُ وَإِيصَالُهُ: كُلُّهُ خَلْقُهُ وَفِعْلُهُ.
الثَّانِي: أَنْ لَا يَرَى عَلَيْهِ حَقًّا
أَيْ لَا تَرَى لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ - لَا لَكَ وَلَا لِغَيْرِكَ - حَقًّا عَلَى اللَّهِ. بَلِ الْحَقُّ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَفِي أَثَرٍ إِسْرَائِيلِيٍّ: أَنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: يَا رَبِّ، بِحَقِّ آبَائِي عَلَيْكَ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا دَاوُدُ. أَيُّ حَقٍّ لِآبَائِكَ عَلَيَّ؟ أَلَسْتُ أَنَا الَّذِي هَدَيْتُهُمْ وَمَنَنْتُ عَلَيْهِمْ وَاصْطَفَيْتُهُمْ. وَلِيَ الْحَقُّ عَلَيْهِمْ؟ .
وَأَمَّا حُقُوقُ الْعَبِيدِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى: مِنْ إِثَابَتِهِ لِمُطِيعِهِمْ، وَتَوْبَتِهِ عَلَى تَائِبِهِمْ، وَإِجَابَتِهِمْ لِسَائِلِهِمْ: فَتِلْكَ حُقُوقٌ أَحَقَّهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نَفْسِهِ، بِحُكْمِ وَعْدِهِ وَإِحْسَانِهِ لَا أَنَّهَا حُقُوقٌ أَحَقُّوهَا هُمْ عَلَيْهِ. فَالْحَقُّ فِي الْحَقِيقَةِ لِلَّهِ عَلَى عَبْدِهِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ عَلَيْهِ هُوَ مَا اقْتَضَاهُ بِجُودِهِ وَبِرِّهِ، وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ بِمَحْضِ جُودِهِ وَكَرَمِهِ، هَذَا قَوْلُ أَهْلِ التَّوْفِيقِ وَالْبَصَائِرِ. وَهُوَ وَسَطٌ بَيْنَ قَوْلَيْنِ مُنْحَرِفَيْنِ. قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا مِرَارًا. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 469
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست