responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 396
بِهِ يَسْتَدْفِعُونَ الْآفَاتِ وَيَسْتَكْشِفُونَ الْكُرُبَاتِ وَتَهُونُ عَلَيْهِمْ بِهِ الْمُصِيبَاتُ، إِذَا أَظَلَّهُمُ الْبَلَاءُ فَإِلَيْهِ مَلْجَؤُهُمْ، وَإِذَا نَزَلَتْ بِهِمُ النَّوَازِلُ فَإِلَيْهِ مَفْزَعَهُمْ. فَهُوَ رِيَاضُ جَنَّتِهِمُ الَّتِي فِيهَا يَتَقَلَّبُونَ وَرُءُوسُ أَمْوَالِ سَعَادَتِهِمُ الَّتِي بِهَا يَتَّجِرُونَ. يَدَعُ الْقَلْبَ الْحَزِينَ ضَاحِكًا مَسْرُورًا، وَيُوصِّلُ الذَّاكِرَ إِلَى الْمَذْكُورِ، بَلْ يَدَعُ الذَّاكِرَ مَذْكُورًا.
وَفِي كُلِّ جَارِحَةٍ مِنَ الْجَوَارِحِ عُبُودِيَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ، وَالذِّكْرُ عُبُودِيَّةُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَهِيَ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ، بَلْ هُمْ مَأْمُورُونَ بِذِكْرِ مَعْبُودِهِمْ وَمَحْبُوبِهِمْ فِي كُلِّ حَالٍ: قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ. فَكَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ قِيعَانٌ وَهُوَ غِرَاسُهَا، فَكَذَلِكَ الْقُلُوبُ بُورٌ وَخَرَابٌ وَهُوَ عِمَارَتُهَا وَأَسَاسُهَا.
وَهُوَ جَلَاءُ الْقُلُوبِ وَصِقَالُهَا وَدَوَاؤُهَا إِذَا غَشِيَهَا اعْتِلَالُهَا، وَكُلَّمَا ازْدَادَ الذَّاكِرُ فِي ذِكْرِهِ اسْتِغْرَاقًا: ازْدَادَ الْمَذْكُورُ مَحَبَّةً إِلَى لِقَائِهِ وَاشْتِيَاقًا، وَإِذَا وَاطَأَ فِي ذِكْرِهِ قَلْبُهُ لِلِسَانِهِ: نَسِيَ فِي جَنْبِ ذِكْرِهِ كُلَّ شَيْءٍ وَحَفِظَ اللَّهُ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ وَكَانَ لَهُ عِوَضًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
بِهِ يَزُولُ الْوَقْرُ عَنِ الْأَسْمَاعِ وَالْبَكَمُ عَنِ الْأَلْسُنِ وَتَنْقَشِعُ الظُّلْمَةُ عَنِ الْأَبْصَارِ. زَيَّنَ اللَّهُ بِهِ أَلْسِنَةَ الذَّاكِرِينَ كَمَا زَيَّنَ بِالنُّورِ أَبْصَارَ النَّاظِرِينَ، فَاللِّسَانُ الْغَافِلُ: كَالْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ وَالْأُذُنِ الصَّمَّاءِ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ.
وَهُوَ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الْمَفْتُوحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغْلِقْهُ الْعَبْدُ بِغَفْلَتِهِ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَفَقَّدُوا الْحَلَاوَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: فِي الصَّلَاةِ وَفِي الذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّ الْبَابَ مُغْلَقٌ.
وَبِالذِّكْرِ: يَصْرُعُ الْعَبْدُ الشَّيْطَانَ كَمَا يَصْرَعُ الشَّيْطَانُ أَهْلَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ.
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا تَمَكَّنَ الذِّكْرُ مِنَ الْقَلْبِ فَإِنْ دَنَا مِنْهُ الشَّيْطَانُ صَرَعَهُ كَمَا يَصْرَعُ الْإِنْسَانُ إِذَا دَنَا مِنْهُ الشَّيْطَانُ، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُونَ: مَا لِهَذَا؟ فَيُقَالُ: قَدْ مَسَّهُ الْإِنْسِيُّ.
وَهُوَ رُوحُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَإِذَا خَلَا الْعَمَلُ عَنِ الذِّكْرِ كَانَ كَالْجَسَدِ الَّذِي لَا رُوحَ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ أَوْجُهُ الذِّكْرِ فِي الْقُرْآنِ]
فَصْلٌ
وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ.
الْأَوَّلُ: الْأَمْرُ بِهِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا.
الثَّانِي: النَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ مِنَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ.
الثَّالِثُ: تَعْلِيقُ الْفَلَاحِ بِاسْتِدَامَتِهِ وَكَثْرَتِهِ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 396
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست