responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 391
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْكِتَابُ الَّذِي بِأَيْدِي النَّاسِ: لَمْ يَكُنْ فِي الْإِقْسَامِ عَلَى ذَلِكَ بِهَذَا الْقَسَمِ الْعَظِيمِ كَثِيرُ فَائِدَةٍ. إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ: أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ فَهُوَ قَابِلٌ لِأَنَّ يَكُونَ فِي كِتَابٍ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا. بِخِلَافِ مَا إِذَا وَقَعَ الْقَسَمُ عَلَى أَنَّهُ فِي كِتَابٍ مَصُونٍ، مَسْتُورٍ عَنِ الْعُيُونِ عِنْدَ اللَّهِ. لَا يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْطَانٌ. وَلَا يَنَالُ مِنْهُ. وَلَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْأَرْوَاحُ الطَّاهِرَةُ الزَّكِيَّةُ. فَهَذَا الْمَعْنَى أَلْيَقُ وَأَجَلُّ وَأَخْلَقُ بِالْآيَةِ وَأَوْلَى بِلَا شَكٍّ.
فَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ - يَقُولُ: لَكِنْ تَدُلُّ الْآيَةَ بِإِشَارَتِهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفُ إِلَّا طَاهِرٌ. لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الصُّحُفُ لَا يَمَسُّهَا إِلَّا الْمُطَهِّرُونَ، لِكَرَامَتِهَا عَلَى اللَّهِ. فَهَذِهِ الصُّحُفُ أَوْلَى أَنْ لَا يَمَسَّهَا إِلَّا طَاهِرٌ.
وَسَمِعَتْهُ يَقُولُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» إِذَا كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ الْمَخْلُوقُونَ يَمْنَعُهَا الْكَلْبُ وَالصُّورَةُ عَنْ دُخُولِ الْبَيْتِ. فَكَيْفَ تَلِجُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَحَبَّتُهُ وَحَلَاوَةُ ذِكْرِهِ، وَالْأُنْسُ بِقُرْبِهِ، فِي قَلْبٍ مُمْتَلِئٍ بِكِلَابِ الشَّهَوَاتِ وَصُوَرِهَا؟ فَهَذَا مِنْ إِشَارَةِ اللَّفْظِ الصَّحِيحَةِ.
وَمِنْ هَذَا: أَنَّ طَهَارَةَ الثَّوْبِ الطَّاهِرِ وَالْبَدَنِ إِذَا كَانَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِدَادِ بِهَا. فَإِذَا أَخَلَّ بِهَا كَانَتْ فَاسِدَةً. فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْقَلْبُ نَجِسًا، وَلَمْ يُطَهِّرْهُ صَاحِبُهُ؟ فَكَيْفَ يُعْتَدُّ لَهُ بِصَلَاتِهِ، وَإِنْ أَسْقَطْتِ الْقَضَاءَ؟ وَهَلْ طَهَارَةُ الظَّاهِرِ إِلَّا تَكْمِيلٌ لِطَهَارَةِ الْبَاطِنِ؟ .
وَمِنْ هَذَا: أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلَاةِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا. وَهِيَ بَيْتُ الرَّبِّ. فَتَوَجُّهُ الْمُصَلَّى إِلَيْهَا بِبَدَنِهِ وَقَالَبِهِ شَرْطٌ. فَكَيْفَ تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَتَوَجَّهْ بِقَلْبِهِ إِلَى رَبِّ الْقِبْلَةِ وَالْبَدَنِ؟ بَلْ وَجَّهَ بَدَنَهُ إِلَى الْبَيْتِ. وَوَجَّهَ قَلْبَهُ إِلَى غَيْرِ رَبِّ الْبَيْتِ.
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ الْإِشَارَاتِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا تُنَالُ إِلَّا بِصَفَاءِ الْبَاطِنِ، وَصِحَّةِ الْبَصِيرَةِ، وَحُسْنِ التَّأَمُّلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 391
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست