responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 39
أَمَّا قَوْلُهُ: الرَّجَاءُ أَضْعَفُ مَنَازِلِ الْمُرِيدِينَ، فَيَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فَوْقَهُ مِنَ الْمَنَازِلِ، كَمَنْزِلَةِ الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَالْإِخْلَاصِ، وَالصِّدْقِ وَالتَّوَكُّلِ، لَا أَنَّ مُرَادَهُ ضَعْفُ حَالِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فِي نَفْسِهَا، وَأَنَّهَا مَنْزِلَةٌ نَاقِصَةٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُعَارَضَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَاعْتِرَاضٌ مِنْ وَجْهٍ.
فَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِمُرَادِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ، مِنَ الْإِحْسَانِ وَالثَّوَابِ وَالْإِفْضَالِ. وَقَدْ يَكُونُ مُرَادُهُ تَعَالَى مِنْ عَبْدِهِ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ، وَمُعَامَلَتَهُ بِحُكْمِ عَدْلِهِ لَهُ. لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ. فَإِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ مِنْهُ مُعَامَلَتَهُ بِحُكْمِ الْفَضْلِ دَخَلَ فِي نَوْعِ مُعَارِضَةٍ. وَكَأَنَّ الرَّاجِيَ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِمَا يُعَارِضُ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مُلْكِهِ. وَذَلِكَ يُنَافِي حُكْمَ اسْتِسْلَامِهِ وَانْقِيَادِهِ، وَانْطِرَاحِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ، مُسْتَسْلِمًا لِمَا يَحْكُمُ بِهِ فِيهِ. فَرَجَاؤُهُ مُعَارِضٌ لِحُكْمِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَوُقُوفٌ مَعَ مُرَادِهِ مِنْ سَيِّدِهِ. وَذَلِكَ يُعَارِضُ مُرَادَ سَيِّدِهِ مِنْهُ. وَالْمُحِبُّ الصَّادِقُ مَنْ فَنِيَ بِمُرَادِ مَحْبُوبِهِ عَنْ مُرَادِهِ مِنْهُ. وَلَوْ كَانَ فِيهِ تَعْذِيبُهُ.
وَأَمَّا وَجْهُ الِاعْتِرَاضِ: فَهُوَ أَنَّ الْقَلْبَ إِذَا تَعَلَّقَ بِالرَّجَاءِ وَلَمْ يَظْفَرْ بِمَرْجُوِّهِ اعْتَرَضَ. حَيْثُ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ مَرْجُوُّهُ، وَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ. وَإِنْ ظَفِرَ بِهِ اعْتَرَضَ. حَيْثُ فَاتَهُ غَيْرُ ذَلِكَ الْمَرْجُوِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَرْجُو فَضْلَ اللَّهِ. وَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِهِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ مِنَ الِاعْتِرَاضِ: وَهُوَ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى رَبِّهِ تَعَالَى بِمَا يَرْجُو مِنْهُ؛ لِأَنَّ الرَّاجِيَ مُتَمَنٍّ لِمَا يَرْجُو، مُؤْثِرٌ لَهُ. وَذَلِكَ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْقَدَرِ، مُنَافٍ لِكَمَالِ الِاسْتِسْلَامِ وَالرِّضَا بِمَا سَبَقَ بِهِ الْقَضَاءُ. فَإِذَا تَيَقَّنَ لَهُ أَنَّهُ سَبَقَ الْقَضَاءَ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنَالَهُ. فَعَلَّقَ قَلْبَهُ بِرَجَاءِ شَيْءٍ مِنَ الْفَضْلِ. فَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَلَمْ يَعْرِفْ لِلِاسْتِسْلَامِ لِلْحُكْمِ حَقَّهُ. وَذَلِكَ وُقُوعٌ فِي الرُّعُونَةِ. فِي مَذْهَبِ السَّائِرِينَ عَلَى دَرْبِ الْفَنَاءِ، النَّاظِرِينَ إِلَى عَيْنِ الْجَمْعِ. إِذِ الرُّعُونَةُ هِيَ الْوُقُوفُ مَعَ حَظِّ النَّفْسِ. وَالرَّجَاءُ هُوَ الْوُقُوفُ مَعَ الْحَظِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْحُظُوظِ.
وَأَصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَوَّلُ طَرِيقِهِمُ الْخُرُوجُ عَنْ نُفُوسِهِمْ، فَضْلًا عَنْ حُظُوظِهَا لِأَنَّهُمْ عَامِلُونَ عَلَى أَنْ يَكُونُوا بِاللَّهِ لَا بِنُفُوسِهِمْ. فَغَايَةُ الْمُحِبِّ أَنَّ يَرْضَى بِأَحْكَامِ مَحْبُوبِهِ عَلَيْهِ، سَاءَتْهُ أَمْ سَرَّتْهُ، حَتَّى يَبْلُغَ بِأَحَدِهِمْ هَذَا الْحَالَ إِلَى أَنْ يَنْشُدَ:
أُحِبُّكَ لَا أُحِبُّكَ لِلثَّوَابِ ... وَلَكِنِّي أُحِبُّكَ لِلْعِقَابِ
وَكُلُّ مَآرِبِي قَدْ نِلْتُ مِنْهَا سِوَى مَلْذُوذِ وَجْدِي بِالْعَذَابِ
وَلَوْ كَانَ نَفْسُ تَلَذُّذِهِ بِالْعَذَابِ مَقْصُودَهُ مِنَ الْعَذَابِ لَكَانَ أَيْضًا وَاقِفًا مَعَ حَظِّهِ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 39
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست