responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 385
فَمِنَ النَّاسِ: مَنْ لَيْسَ لِقَلْبِهِ مِنْهَا نَصِيبٌ إِلَّا كَنَصِيبِ الْحَيَوَانَاتِ الْبَهِيمِيَّةِ مِنْهَا. فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا. وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَوَّلُ دَرَجَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ. وَلِهَذَا شَبَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أُولَئِكَ بِالْأَنْعَامِ. بَلْ جَعَلَهُمْ أَضَلَّ. فَقَالَ تَعَالَى {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44] وَلِهَذَا نَفَى اللَّهُ عَنِ الْكُفَّارِ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْعُقُولَ. إِمَّا لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا. فَنُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ. وَإِمَّا لِأَنَّ النَّفْيَ تَوَجَّهَ إِلَى أَسْمَاعِ قُلُوبِهِمْ وَأَبْصَارِهَا، وَإِدْرَاكِهَا. وَلِهَذَا يَظْهَرُ لَهُمْ ذَلِكَ عِنْدَ انْكِشَافِ حَقَائِقِ الْأُمُورِ. كَقَوْلِ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] وَمِنْهُ فِي أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [الأعراف: 198] فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَى صُورَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ، وَلَا يُبْصِرُونَ صُورَةَ نُبُوَّتِهِ، وَمَعْنَاهَا بِالْحَاسَّةِ الْبَاطِنَةِ، الَّتِي هِيَ بَصَرُ الْقَلْبِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْأَصْنَامِ. ثُمَّ فِيهِ قَوْلَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى التَّشْبِيهِ، أَيْ كَأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ. وَلَا أَبْصَارَ لَهُمْ يَرَوْنَكَ بِهَا.
وَالثَّانِي: الْمُرَادُ بِهِ الْمُقَابَلَةُ. تَقُولُ الْعَرَبُ: دَارِي تَنْظُرُ دَارَكَ. أَيْ تُقَابِلُهَا.
وَكَذَلِكَ السَّمْعُ ثَابِتٌ لَهُمْ. وَبِهِ قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ. وَمُنْتَفٍ عَنْهُمْ. وَهُوَ سَمْعُ الْقَلْبِ. فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ مِنْ حَيْثُ السَّمْعُ الْحِسِّيُّ الْمُشْتَرَكُ، كَالْغَنَمِ الَّتِي لَا تَسْمَعُ إِلَّا نَعِيقَ الرَّاعِي بِهَا دُعَاءً وَنِدَاءً. وَلَمْ يَسْمَعُوهُ بِالرُّوحِ الْحَقِيقِيِّ، الَّذِي هُوَ رُوحُ حَاسَّةِ السَّمْعِ، الَّتِي هِيَ حَظُّ الْقَلْبِ. فَلَوْ سَمِعُوهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ: لَحَصَلَتْ لَهُمُ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ، الَّتِي مَنْشَؤُهَا مِنَ السَّمَاعِ الْمُتَّصِلِ أَثَرُهُ بِالْقَلْبِ. وَلَزَالَ عَنْهُمُ الصَّمَمُ وَالْبَكَمُ. وَلَأَنْقَذُوا نُفُوسَهُمْ مِنَ السَّعِيرِ بِمُفَارَقَةِ مَنْ عُدِمَ السَّمْعَ وَالْعَقْلَ.
فَحُصُولُ السَّمْعِ الْحَقِيقِيِّ: مَبْدَأٌ لِظُهُورِ آثَارِ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ، الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ أَنْوَاعِ الْحَيَاةِ فِي هَذَا الْعَالَمِ. فَإِنَّ بِهَا يَحْصُلُ غِذَاءُ الْقَلْبِ وَيَعْتَدِلُ. فَتَتِمُّ قُوَّتُهُ وَحَيَاتُهُ، وَسُرُورُهُ وَنَعِيمُهُ، وَبَهْجَتُهُ. وَإِذَا فَقَدَ غِذَاءَهُ الصَّالِحَ: احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهُ بِغِذَاءٍ قَبِيحٍ خَبِيثٍ. وَإِذَا فَسَدَ غِذَاؤُهُ: خَبُثَ وَنَقَصَ مِنْ حَيَاتِهِ وَقُوَّتِهِ وَسُرُورِهِ وَنَعِيمِهِ بِحَسَبِ مَا فَسَدَ مِنْ غِذَائِهِ، كَالْبَدَنِ إِذَا فَسَدَ غِذَاؤُهُ نَقَصَ.
فَلَمَّا كَانَ تَعَلُّقُ السَّمْعِ الظَّاهِرِ الْحِسِّيَّ بِالْقَلْبِ أَشَدَّ، وَالْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا أَقْرَبَ مِنَ الْمَسَافَةِ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 385
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست