responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 380
فَيُرِيدُ بِهِ: أَنَّ الْمَعَارِفَ الَّتِي تَحْصُلُ لِصَاحِبِ هَذِهِ الدَّرَجَةِ: هِيَ مِنَ الشُّهُودِ الْخَارِقِ لِحِجَابِ الْعِلْمِ. فَإِنَّ الْعِلْمَ حِجَابٌ عَنِ الشُّهُودِ. فَفِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ يَرْتَفِعُ الْحِجَابُ. وَيُفْضِي إِلَى الْمَعْلُومِ، بِحَيْثُ يُكَافِحُ بَصِيرَتَهُ وَقَلْبَهُ مُكَافَحَةً.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ حَقُّ الْيَقِينِ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ حَقُّ الْيَقِينِ. وَهُوَ إِسْفَارُ صُبْحِ الْكَشْفِ. ثُمَّ الْخَلَاصُ مِنْ كُلْفَةِ الْيَقِينِ. ثُمَّ الْفَنَاءُ فِي حَقِّ الْيَقِينِ.
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الدَّرَجَةَ لَا تُنَالُ فِي هَذَا الْعَالَمِ إِلَّا لِلرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. فَإِنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بِعَيْنِهِ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْهُ إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا. وَتَجَلَّى لِلْجَبَلِ وَمُوسَى يَنْظُرُ، فَجَعَلَهُ دَكًّا هَشِيمًا.
نَعَمْ يَحْصُلُ لَنَا حَقُّ الْيَقِينِ مِنْ مَرْتَبَةٍ، وَهِيَ ذَوْقُ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ، الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقُلُوبِ وَأَعْمَالِهَا. فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا بَاشَرَهَا وَذَاقَهَا صَارَتْ فِي حَقِّهِ حَقَّ يَقِينٍ.
وَأَمَّا فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْمَعَادِ، وَرُؤْيَةِ اللَّهِ جَهْرَةً عَيَانًا، وَسَمَاعِ كَلَامِهِ حَقِيقَةً بِلَا وَاسِطَةٍ - فَحَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنْهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ: الْإِيمَانُ. وَعِلْمُ الْيَقِينِ. وَحَقُّ الْيَقِينِ: يَتَأَخَّرُ إِلَى وَقْتِ اللِّقَاءِ.
وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ السَّالِكُ عِنْدَهُ يَنْتَهِي إِلَى الْفَنَاءِ. وَيَتَحَقَّقُ شُهُودَ الْحَقِيقَةِ. وَيَصِلُ إِلَى عَيْنِ الْجَمْعِ، قَالَ: حَقُّ الْيَقِينِ: هُوَ إِسْفَارُ صُبْحِ الْكَشْفِ.
يَعْنِي: تَحَقُّقَهُ وَثُبُوتَهُ، وَغَلَبَةَ نُورِهِ عَلَى ظُلْمَةِ لَيْلِ الْحِجَابِ. فَيَنْتَقِلُ مِنْ طَوْرِ الْعِلْمِ إِلَى الِاسْتِغْرَاقِ فِي الشُّهُودِ بِالْفَنَاءِ عَنِ الرَّسْمِ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ الْخَلَاصُ مِنْ كُلْفَةِ الْيَقِينِ.
يَعْنِي: أَنَّ الْيَقِينَ لَهُ حُقُوقٌ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا. وَيَقُومُ بِهَا، وَيَتَحَمَّلُ كُلَفَهَا وَمَشَاقَّهَا. فَإِذَا فَنِيَ فِي التَّوْحِيدِ حَصَلَ لَهُ أُمُورٌ أُخْرَى رَفِيعَةٌ عَالِيَةٌ جِدًا. يَصِيرُ فِيهَا مَحْمُولًا، بَعْدَ أَنْ كَانَ حَامِلًا، وَطَائِرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ سَائِرًا، فَتَزُولُ عَنْهُ كُلْفَةُ حَمْلِ تِلْكَ الْحُقُوقِ. بَلْ يَبْقَى لَهُ كَالنَّفَسِ، وَكَالْمَاءِ لِلسَّمَكِ. وَهَذَا أَمْرٌ التَّحَاكُمُ فِيهِ إِلَى الذَّوْقِ وَالْإِحْسَاسِ. فَلَا تُسْرِعْ إِلَى إِنْكَارِهِ.
وَتَأَمَّلْ حَالَ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ الَّذِي أَخَذَ تَمْرَاتِهِ. وَقَعَدَ يَأْكُلُهَا عَلَى حَاجَةٍ وَجُوعٍ وَفَاقَةٍ إِلَيْهَا. فَلَمَّا عَايَنَ سُوقَ الشَّهَادَةِ قَامَتْ. أَلْقَى قُوتَهُ مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ: إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ،

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 380
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست