responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 361
وَحَقِيقَةُ الْأَدَبِ اسْتِعْمَالُ الْخُلُقِ الْجَمِيلِ. وَلِهَذَا كَانَ الْأَدَبُ: اسْتِخْرَاجَ مَا فِي الطَّبِيعَةِ مِنَ الْكَمَالِ مِنَ الْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْلِ.
فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هَيَّأَ الْإِنْسَانَ لِقَبُولِ الْكَمَالِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْأَهْلِيَّةِ وَالِاسْتِعْدَادِ، الَّتِي جَعَلَهَا فِيهِ كَامِنَةً كَالنَّارِ فِي الزِّنَادِ. فَأَلْهَمَهُ وَمَكَّنَهُ، وَعَرَّفَهُ وَأَرْشَدَهُ. وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلَهُ. وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ كَتَبَهُ لِاسْتِخْرَاجِ تِلْكَ الْقُوَّةِ الَّتِي أَهَّلَهُ بِهَا لِكَمَالِهِ إِلَى الْفِعْلِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا - فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا - قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا - وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10] . فَعَبَّرَ عَنْ خُلُقِ النَّفْسِ بِالتَّسْوِيَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاعْتِدَالِ وَالتَّمَامِ. ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ قَبُولِهَا لِلْفُجُورِ وَالتَّقْوَى. وَأَنَّ ذَلِكَ نَالَهَا مِنْهُ امْتِحَانًا وَاخْتِبَارًا. ثُمَّ خَصَّ بِالْفَلَاحِ مَنْ زَكَّاهَا فَنَمَّاهَا وَعَلَّاهَا. وَرَفَعَهَا بِآدَابِهِ الَّتِي أَدَّبَ بِهَا رُسُلَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ. وَهِيَ التَّقْوَى. ثُمَّ حَكَمَ بِالشَّقَاءِ عَلَى مَنْ دَسَّاهَا فَأَخْفَاهَا وَحَقَّرَهَا. وَصَغَّرَهَا وَقَمَعَهَا بِالْفُجُورِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ وَصْفٌ لِأَدَبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
فَصْلٌ
وَجَرَتْ عَادَةُ الْقَوْمِ: أَنْ يَذْكُرُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ قَوْلَهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ أَرَاهُ مَا أَرَاهُ: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17] وَأَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ صَدَّرَ بَابُ الْأَدَبِ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ.
وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: إِنَّ هَذَا وَصْفٌ لِأَدَبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ. إِذْ لَمْ يَلْتَفِتْ جَانِبًا. وَلَا تَجَاوَزَ مَا رَآهُ. وَهَذَا كَمَالُ الْأَدَبِ. وَالْإِخْلَالُ بِهِ: أَنْ يَلْتَفِتَ النَّاظِرُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، أَوْ يَتَطَلَّعَ أَمَامَ الْمَنْظُورِ. فَالِالْتِفَاتُ زَيْغٌ. وَالتَّطَلُّعُ إِلَى مَا أَمَامَ الْمَنْظُورِ: طُغْيَانٌ وَمُجَاوَزَةٌ. فَكَمَالُ إِقْبَالِ النَّاظِرِ عَلَى الْمَنْظُورِ: أَنْ لَا يَصْرِفَ بَصَرَهُ عَنْهُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً. وَلَا يَتَجَاوَزَهُ.
هَذَا مَعْنَى مَا حَصَّلْتُهُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَسْرَارٌ عَجِيبَةٌ. وَهِيَ مِنْ غَوَامِضِ الْآدَابِ اللَّائِقَةِ بِأَكْمَلِ الْبَشَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَوَاطَأَ هُنَاكَ بَصَرُهُ وَبَصِيرَتُهُ. وَتَوَافَقَا وَتَصَادَقَا فِيمَا شَاهَدَهُ بَصَرُهُ. فَالْبَصِيرَةُ مُوَاطِئَةٌ لَهُ. وَمَا شَاهَدَتْهُ بَصِيرَتُهُ فَهُوَ أَيْضًا حَقٌّ مَشْهُودٌ بِالْبَصَرِ. فَتَوَاطَأَ فِي حَقِّهِ مَشْهَدُ الْبَصَرِ وَالْبَصِيرَةِ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 361
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست