responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 348
وَأَمَّا أَنْ يُغْنِيَهُ صِدْقُ إِرَادَتِهِ عَنْ عِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَأَحْكَامِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَمَعْرِفَةِ الْعِبَادَاتِ وَشُرُوطِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَمُبْطِلَاتِهَا، وَعَنْ عِلْمِ أَحْكَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ: فَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ مَنْ هُوَ دُونَ الْجُنَيْدِ مِنْ ذَلِكَ، فَضْلًا عَنْ سَيِّدِ الطَّائِفَةِ وَإِمَامِهَا، وَإِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، وَزَنَادِقَةُ الصُّوفِيَّةِ وَمَلَاحِدَتُهُمْ، الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ اتِّبَاعَ الرَّسُولِ شَرْطًا فِي الطَّرِيقِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُرِيدَ الصَّادِقَ: يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ، وَيُنَوِّرُهُ بِنُورٍ مِنْ عِنْدِهِ، مُضَافٌ إِلَى مَا مَعَهُ مِنْ نُورِ الْعِلْمِ، يَعْرِفُ بِهِ كَثِيرًا مِنْ أَمْرِ دِينِهِ. فَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ عِلْمِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ نُورٌ. وَقَلَبَ الصَّادِقِ مُمْتَلِئٌ بِنُورِ الصِّدْقِ. وَمَعَهُ نُورُ الْإِيمَانِ. وَالنُّورُ يَهْدِي إِلَى النُّورِ. وَالْجُنَيْدُ أَخْبَرَ بِهَذَا عَنْ حَالِهِ. وَهَذَا أَمْرٌ جُزْئِيٌّ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ صِدْقَهُ يُغْنِيهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ. وَأَمَّا عَنْ جُمْلَةِ الْعِلْمِ: فَكَلَامُ أَبِي الْقَاسِمِ الثَّابِتُ عَنْهُ فِي ضَرُورَةِ الصَّادِقِ إِلَى الْعِلْمِ، وَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ، وَأَنَّ طَرِيقَ الْقَوْمِ مُقَيَّدَةٌ بِالْعِلْمِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الطَّرِيقِ إِلَّا بِالْعِلْمِ، فَمَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى طَرَفًا مِنْهُ. كَقَوْلِهِ: مَنْ لَمْ يَحْفَظِ الْقُرْآنَ وَيَكْتُبِ الْحَدِيثَ لَا يُقْتَدَى بِهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ. لِأَنَّ عِلْمَنَا مُقَيَّدٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ عِلْمَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمْ: هُوَ مَا فَهِمُوهُ وَاسْتَنْبَطُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
وَالْمُرِيدُ الصَّادِقُ: هُوَ الَّذِي قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَفِظَ السُّنَّةَ، وَاللَّهَ يَرْزُقُهُ بِبَرَكَةِ صِدْقِهِ وَنُورِ قَلْبِهِ فَهُمَا فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ يُغْنِيهِ عَنْ تَقْلِيدِ فَهْمِ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ - يَعْنِي الْجُنَيْدَ - إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالْمُرِيدِ خَيْرًا: أَوْقَعَهُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ. وَمَنَعَهُ صُحْبَةَ الْقُرَّاءِ.
فَالْقُرَّاءُ فِي لِسَانِهِمْ: هُمْ أَهْلُ التَّنَسُّكِ وَالتَّعَبُّدِ، سَوَاءٌ كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ أَمْ لَا، فَالْقَارِئُ عِنْدَهُمْ: هُوَ الْكَثِيرُ التَّعَبُّدِ وَالتَّنَسُّكِ، الَّذِي قَدْ قَصَرَ هِمَّتُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَادَةِ، دُونَ أَرْوَاحِ الْمَعَارِفِ. وَدُونَ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ، وَرُوحِ الْمَحَبَّةِ، وَأَعْمَالِ الْقُلُوبِ، فَهِمَّتُهُمْ كُلُّهَا إِلَى الْعِبَادَةِ، وَلَا خَبَرَ عِنْدَهُمْ مِمَّا عِنْدَ أَهْلِ التَّصَوُّفِ، وَأَرْبَابِ الْقُلُوبِ وَأَهْلِ الْمَعَارِفِ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: طَرِيقُنَا تَفَتٍّ لَا تَقَسُّرٌ.
فَسَيْرُ هَؤُلَاءِ بِالْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ، وَسَيْرُ أُولَئِكَ: بِمُجَرَّدِ الْقَوَالِبِ وَالْأَشْبَاحِ، وَبَيْنَ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 348
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست