responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 308
يُرْشِدُهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْقَبُولِ مِنْهُ. وَتَلَقِّي مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْهُ أَحْسَنَ التَّلَقِّي. هَذِهِ طِبَاعُ النَّاسِ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَحْسِينُ خُلُقِكَ مَعَ الْحَقِّ]
فَصْلٌ
قَالَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: تَحْسِينُ خُلُقِكَ مَعَ الْحَقِّ. وَتَحْسِينُهُ مِنْكَ: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ مَا يَأْتِي مِنْكَ يُوجِبُ عُذْرًا، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَأْتِي مِنَ الْحَقِّ يُوجِبُ شُكْرًا، وَأَنْ لَا تَرَى لَهُ مِنَ الْوَفَاءِ بُدًّا.
هَذِهِ الدَّرَجَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ.
إِحْدَاهُمَا: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ نَاقِصٌ. وَكُلُّ مَا يَأْتِي مِنَ النَّاقِصِ نَاقِصٌ. فَهُوَ يُوجِبُ اعْتِذَارَهُ مِنْهُ لَا مَحَالَةَ. فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَتَعَذَّرَ إِلَى رَبِّهِ مِنْ كُلِّ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. أَمَّا الشَّرُّ: فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْخَيْرُ: فَيَعْتَذِرُ مِنْ نُقْصَانِهِ. وَلَا يَرَاهُ صَالِحًا لِرَبِّهِ.
فَهُوَ - مَعَ إِحْسَانِهِ - مُعْتَذِرٌ فِي إِحْسَانِهِ. وَلِذَلِكَ مَدَحَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ بِالْوَجَلِ مِنْهُ مَعَ إِحْسَانِهِمْ بِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الرَّجُلُ يَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُ. وَيَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ» فَإِذَا خَافَ فَهُوَ بِالِاعْتِذَارِ أَوْلَى.
وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا الِاعْتِذَارِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: شُهُودُ تَقْصِيرِهِ وَنُقْصَانِهِ.
وَالثَّانِي: صِدْقُ مَحَبَّتِهِ. فَإِنَّ الْمُحِبَّ الصَّادِقَ يَتَقَرَّبُ إِلَى مَحْبُوبِهِ بِغَايَةِ إِمْكَانِهِ. وَهُوَ مُعْتَذِرٌ إِلَيْهِ، مُسْتَحْيٍ مِنْهُ: أَنْ يُوَاجِهَهُ بِمَا وَاجَهَهُ بِهِ. وَهُوَ يَرَى أَنَّ قَدْرَهُ فَوْقَهُ وَأَجَلُّ مِنْهُ. وَهَذَا مُشَاهَدٌ فِي مَحَبَّةِ الْمَخْلُوقِينَ.
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: اسْتِعْظَامُ كُلِّ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ إِلَيْكَ، وَالِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ يُوجِبُ الشُّكْرَ عَلَيْكَ، وَأَنَّكَ عَاجِزٌ عَنْ شُكْرِهِ. وَلَا يَتَبَيَّنُ هَذَا إِلَّا فِي الْمَحَبَّةِ الصَّادِقَةِ. فَإِنَّ الْمُحِبَّ يَسْتَكْثِرُ مِنْ مَحْبُوبِهِ كُلَّ مَا يَنَالُهُ. فَإِذَا ذَكَرَهُ بِشَيْءٍ وَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ: كَانَ سُرُورُهُ بِذِكْرِهِ لَهُ، وَتَأْهِيلِهِ لِعَطَائِهِ: أَعْظَمَ عِنْدَهُ مِنْ سُرُورِهِ بِذَلِكَ الْعَطَاءِ بَلْ يَغِيبُ بِسُرُورِهِ بِذِكْرِهِ لَهُ عَنْ سُرُورِهِ بِالْعَطِيَّةِ. وَإِنْ كَانَ الْمُحِبُّ يَسُرُّهُ ذِكْرُ مَحْبُوبِهِ لَهُ، وَإِنْ نَالَهُ بِمَسَاءَةٍ. كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 308
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست