responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 302
مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45] .
فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَشْيَاءَ: بِهَا يُدْرَكُ التَّصَوُّفُ، وَالتَّصَوُّفُ: زَاوِيَةٌ مِنْ زَوَايَا السُّلُوكِ الْحَقِيقِيِّ، وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَتَهْذِيبِهَا. لِتَسْتَعِدَّ لِسَيْرِهَا إِلَى صُحْبَةِ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، وَمَعِيَّةِ مَنْ تُحِبُّهُ. فَإِنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. كَمَا قَالَ سُمْنُونُ: ذَهَبَ الْمُحِبُّونَ بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَإِنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْخَلْقِ]
[الدَّرَجَةُ الْأُولَى أَنْ تَعْرِفَ مَقَامَ الْخَلْقِ]
فَصْلٌ
قَالَ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: أَنْ تَعْرِفَ مَقَامَ الْخَلْقِ. وَأَنَّهُمْ بِأَقْدَارِهِمْ مَرْبُوطُونَ. وَفِي طَاقَتِهِمْ مَحْبُوسُونَ. وَعَلَى الْحُكْمِ مَوْقُوفُونَ. فَتَسْتَفِيدَ بِهَذِهِ الْمَعْرِفَةِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: أَمْنَ الْخَلْقِ مِنْكَ، حَتَّى الْكَلَبِ. وَمَحَبَّةُ الْخَلْقِ إِيَّاكَ، وَنَجَاةُ الْخَلْقِ بِكَ.
فَبِهَذِهِ الدَّرَجَةِ: يَكُونُ تَحْسِينُ الْخُلُقِ مَعَ الْخَلْقِ فِي مُعَامَلَتِهِمْ، وَكَيْفِيَّةِ مُصَاحَبَتِهِمْ.
وَبِالثَّانِيَةِ: تَحْسِينُ الْخُلُقِ مَعَ اللَّهِ فِي مُعَامَلَتِهِ.
وَبِالثَّالِثَةِ: دَرَجَةُ الْفَنَاءِ عَلَى قَاعِدَتِهِ وَأَصْلِهِ.
يَقُولُ: إِذَا عَرَفْتَ مَقَامَ الْخَلْقِ، وَمَقَادِيرَهُمْ، وَجَرَيَانَ الْأَحْكَامِ الْقَدَرِيَّةِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ مُقَيَّدُونَ بِالْقَدَرِ، لَا خُرُوجَ لَهُمْ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ، وَمَحْبُوسُونَ فِي قُدْرَتِهِمْ وَطَاقَتِهِمْ. لَا يُمْكِنُهُمْ تَجَاوُزُهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَأَنَّهُمْ مَوْقُوفُونَ عَلَى الْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ الْقَدَرِيِّ لَا يَتَعَدَّوْنَهُ، اسْتَفَدْتَ بِهَذِهِ الْمَعْرِفَةِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ:
أَمْنَ الْخَلْقِ مِنْكَ. وَذَلِكَ: أَنَّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْحَقِيقَةِ. لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِمَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ. وَامْتَثَلَ فِيهِمْ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَخْذِ الْعَفْوِ مِنْهُمْ. فَأَمِنُوا مِنْ تَكْلِيفِهِ إِيَّاهُمْ. وَإِلْزَامِهِ لَهُمْ مَا لَيْسَ فِي قُوَاهُمْ وَقُدَرِهِمْ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَأْمَنُونَ لَائِمَتَهُ. فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ عَاذِرٌ لَهُمْ فِيمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَحْكَامِ فِيمَا لَمْ يَأْمُرِ الشَّرْعُ بِإِقَامَتِهِ فِيهِمْ. لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مَحْبُوسِينَ فِي طَاقَتِهِمْ فَيَنْبَغِي مُطَالَبَتُهُمْ بِمَا يُطَالَبُ بِهِ الْمَحْبُوسُ، وَعُذْرُهُمْ بِمَا يُعْذَرُ بِهِ الْمَحْبُوسُ. وَإِذَا بَدَا مِنْهُمْ فِي حَقِّكَ تَقْصِيرٌ أَوْ إِسَاءَةٌ، أَوْ تَفْرِيطٌ. فَلَا تُقَابِلْهُمْ بِهِ وَلَا تُخَاصِمْهُمْ. بَلِ اغْفِرْ لَهُمْ ذَلِكَ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 302
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست